بعد أن فشلتْ قريش في حربها النفسية والجسدية ضدّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) والمؤمنين به، إذ لم تفلح بثني النبي(صلى الله عليه وآله) والمؤمنين عن عقيدتهم، حوّلت المواجهة إلى أسلوب آخر وهو الحرب الاقتصادية والتجويع، وهو من الأساليب القذرة التي لا تنطوي على أي معنى إنساني؛ فأغواهم شيطانهم وأصدروا قرار مقاطعة بني هاشم، وكتبوا صحيفة تعاهدوا فيها ألّا يبايعوا أحداً من بني هاشم، ولا يناكحوهم، ولا يعاملوهم، حتّى يدفعوا إليهم محمّداً فيقتلوه (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ)[1].
وختموا الصحيفة بأربعين خاتماً، ثمّ حصرت قريش رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته من بني هاشم وبني عبد المطّلب في شعب أبي طالب، كان ذلك في الأول من محرم سنة 3 هـ.
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [2]
استمر الحصار ثلاث سنين من السنة السابعة من البعثة، وحيث أن الله تعالى وعد باليسر بعد العسر، فقد لاحت علائم الفرج الإلهي بعد شدت وعسر على النبي (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين؛ فأرسل الله تعالى حشرة الأرضة على صحيفة المقاطعة فأكلتها، إلا اسمه جل وعلا.
رفع الحصار
أخبر جبرائيل النبي (صلى الله عليه وآله) بأن الصحيفة لم يبقَ منها غير اسم الله تعالى، فطلب من عمه أبي طالب (عليه السلام) مقابلة طواغيت قريش وإخبارهم بالأمر، ليضيف دليلاً آخراً على صدق النبوّة.
فجلس أبو طالب (عليه السلام) بفناء الكعبة، وأقبلت عليه قريش فقالوا له: آنَ لك يا أبا طالب أن تذكر العهد، وأن تشتاق إلى قومك، وتدع اللّجاج في ابن أخيك.
فقال لهم: يا قوم أحضروا صحيفتكم، فلعلّنا نجد فرجاً وسبباً لصلة الأرحام وترك القطيعة. فأحضروها، فخاطبهم أبو طالب: هذه صحيفتكم؟ قالوا: نعم، قال: فهل أحدثتم فيها حدثاً، قالوا: اللّهمّ لا.
فقال لهم: إنّ محمّداً أعلمني عن ربّه، أنّه بعث الأرضة، فأكلت كلّ ما فيها إلّا ذكر الله، أفرأيتم إن كان صادقاً ماذا تصنعون؟ قالوا: نكفّ ونمسك.
فقال: فإن كان كاذباً دفعته إليكم، قالوا: قد أنصفت وأجملت.
وبدأت اللحظات الحاسمة، فإذا بالأرضة قد أكلت كلّ ما في الصحيفة، إلّا مواضع اسم الله عزّ وجلّ، ففكوا الحصار بما التزموا به من الشرط.
مجلة ولاء الشباب العدد (41)