بينما أطالع في بعض المواقع الإسلامية، وقع نظري على مقال يتعلق بعقائد الشيعة وأحكامهم، وهو أن الشيعة يتمسكون بعلمائهم المعاصرين في تحصيل العقائد والأحكام، فأيما مسألة عندهم تراهم يقولون قال العالم الفلاني، وهذا عند العالم الفلاني لا يجوز، مع اختلافهم غالباً، واشتبه كاتب المقال وقال: كيف يقول الشيعة أنهم يتبعون أهل البيت (عليهم السلام) والحال أنهم يتبعون العلماء الذين هم غير معصومين، مع أنهم يدعون أن مذهبهم هو الحق وأنهم الفرقة الناجية؟
هذا الكلام يدعونا إلى البحث عن الشيعة ممن يأخذون دينهم، وقد وجدنا ما يلي:
روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)[1]، وجاء عن ابن تيمية في (مسألة تعليق الطلاق) وهو يتحدث عن بعض الأحكام الشرعية في مسائل الطلاق وممن وافق الشافعي فيها، قال: (ومن وافقه كابن حزم من السنة، وكالمفيد والطوسي والموسوي وغيرهم من شيوخ الشيعة، وهم ينقلون ذلك عن فقهاء أهل البيت (عليهم السلام))، إلى أن يقول عن الشيعة: (لكن جمهور ما ينقلونه عن الشريعة موافق لقول جمهور المسلمين، فيه ما هو من مواقع الإجماع، وفيه ما فيه نزاع بين أهل السنة، فليس الغالب فيما ينقلونه عن هؤلاء الأئمة من مسائل الشرع الكذب، بل الغالب عليه الصدق)[2]. انتهى
وقال وهو يتحدث عن الشيعة من أين يأخذون أحكام دينهم: (وأما شرعياتهم فعمدتهم فيها على ما ينقل عن بعض أهل البيت، مثل أبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق وغيرهما)[3].
فالشيعة إذن - بحسب تصريحات علماء أهل السنّة - هم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) يأخذون دينهم عنهم، وأنهم صادقون في هذا النقل والإتباع كما شهد بذلك ابن تيمية وابن قيم الجوزية.
فهم إذن ممتثلون للكتاب الكريم الذي قال بشكل واضح وصريح: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[4]، والنبي (صلى الله عليه وآله) قد جاءنا بلزوم التمسك بالكتاب والعترة الطاهرة ونحن متبعون للكتاب والعترة الطاهرة بشهادة علماء أهل السنّة أنفسهم.
ومن الغريب أن علماء السنة يصرحون أن دينهم وأحكامهم لم يأخذوها عن أهل البيت (عليه السلام) بذلك شهد ابن تيمية وأخبرنا عن هذه الحقيقة قال في (منهاج السنة): (فليس في الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة الفقهاء من يرجع إليه (يقصد عليّ (عليه السلام)) في فقهه، أما مالك: فإن علمه عن أهل المدينة، وأهل المدينة لا يكادون يأخذون بقول علٍّي، بل اخذوا فقههم عن زيد وعمر وابن عمر ونحوهم.
أما الشافعي: فإنه تفقّه أولاً على المكيّين أصحاب ابن جريج، كسعيد بن سالم القداح، ومسلم بن خالد الزنجي، وابن جريج أخذ ذلك عن أصحاب ابن عباس كعطاء وغيره وابن عباس كان مجتهدا مستقلّاً، وكان إذا أفتى بقول الصحابة أفتى بقول أبي بكر وعمر لا بقول علي وكان ينكر على علي أشياء.
وأما أبو حنيفة: فشيخه الذي اختص به حماد بن أبي سليمان، وحماد عن إبراهيم، وإبراهيم عن علقمة، وعلقمة عن ابن مسعود، وقد اخذ أبو حنيفة عن عطاء وغيره.
وأما الإمام أحمد: فكان على مذهب أهل الحديث أخذ عن ابن عيينة، وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن عمر، وأخذ عن هشام بن بشير، وهشام عن أصحاب الحسن وإبراهيم النخعي، وأخذ عن عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وأمثالهما، وجالس الشافعي واخذ عن أبي يوسف واختار لنفسه قولاً)[5].
فبحسب هذا التصريح يتبين أن أهل السنة والجماعة بمذاهبهم الأربعة لا يرجعون إلى أهل البيت (عليهم السلام)، ولا يأخذون أحكام دينهم عنهم، رغم أن حديث الثقلين عندهم صحيح بشهادة علماء الحديث، ونترك الحكم للقارئ الكريم.
مجلة اليقين العدد (47)