الأدب مع الله عز وجل

أعظم الأدب يجب أن يكون مع خالق كل شيء، وصاحب الفضل العظيم في خلق الإنسان، والمنعم عليه، وهو الله عز وجل، فلابد للإنسان من شكر المنعم وحسن الأدب، والعمل بأوامره، والانتهاء عن ما نهى عنه عزوجل، ويكون ذلك من خلال ما يلي:

1. أنْ تعلمَ أنّ الله عزّ وجلّ واحد لا شريك له، وبالتوحيد تصح جميع العبادات، وفي الدعاء: (اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك وهو التوحيد ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك، وهو الشرك، فاغفر لي ما بينهما)[1].

2. أنْ تعلمَ أن الله قادر على كل شيء، كريم، عليم، فتكون حاجتك ورجاؤك، وخوفك إليه لا إلى سواه، يقول الإمام السجاد(عليه السلام): (فكم قد رأيت يا إلهي من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، وراموا الثروة من سواك فافتقروا)[2].

3. أن يؤمن الإنسان بعظمة الله عزّ وجلّ، وقدرته على كل شيء،  فمن قارن نفسه بالجبل الشامخ، علم أنه كالذرة بالنسبة إليه، وإذا نظر الإنسان إلى موقعه في بيته، وموقع بيته في بلده، وموقع بلده من الكرة الأرضية، وموقع الكرة الأرضية من المجموعة الشمسية، وموقع هذه المجموعة من المجرة، وأخيراً موقع المجرة من الكون الفسيح، وفكر في ذلك، لتواضع لعظمة الله عزّ وجلّ،
وعلم أنه في موقع محرج، وخطأ كبير، إن هو عصى الخالق العظيم، وهو بهذا القدر من الضعف الشديد.

4. أن لا يجعل لأحد فوق الله حباً، بل يجعل كل الحب لله عزّ وجلّ، الخالق الكريم الرحمن الرحيم، ومن علامات المحب الحقيقي لله عزّ وجلّ:

أ‌- أن لا ينام الليل كله ويترك حبيبه من دون أن يناجيه، ويطلب منه، ويتوسل إليه، ويتفكر فيه، بل يقوم جزءاً منه للقائه ومناجاته، ويصلي صلاة الليل بخشوع كامل.

ب- أن يذكر حبيبه في كل الأوقات والأوضاع.

ج- أن يصبر على بلاء الله عزّ وجلّ، لأنه لا يبتليه إلا لما فيه خيرٌ له.

د- أن لا يعمل عملاً يُغضِب الحبيب، وهو اللهُ عزّ وجلّ، فمن أحب أحداً أطاعه، قال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تُظهر حبه              هذا لعمري في الفعال قبيح

لو كان حبك صادقاً لأطعته               إن المحب لمن أحب مطيـع

هـ- أن يكون دائم التفكر في عظمة الله، وقدرته، وصفاته، وأسمائه الحسنى،  فعن أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): (تفكُّرُ ساعة خير من عبادة سنة)[3].

و- أن  يحب أولياء الله ويبغض أعداء الله عزّ وجلّ.

5. الرضا بقضاء الله وقدره، والإخلاص له في كل شيء، لأنه صاحب النعمة، وعدم افتخار الإنسان بما لديه، فهو كله من الله عز وجل، بل يكون دائم الشكر له عزّ وجلّ، بطاعته وعدم معصيته، والتوكل عليه في كل أموره.

6. أن يعلم أن الله تعالى يراه، ويراقبه، فيستحي منه، ولا يعصيه.

7. أنْ يعلمَ الإنسان أنّ الله تعالى هو المتفضّل عليه بكل النعم التي لديه، فيشكره ويحمده على كل شيء، ويعلم أنّه لو لم يشكر الله عزّ وجلّ على نعمته، بل واستخدمها في معصيته، فسوف يسلبها منه وينزل عليه البلاء، قال الإمام زين العابدين(عليه السلام): (من قال: الحمد لله، فقد أدى شكر كل نعمة لله عزّ وجلّ عليه)[4].

8. سجدة الشكر: سجدة الشكر -بإجماع علماء الشيعة- أنها سُنّة عند تجدّد كلّ نعمة ودفع كلّ نقمة وعند تذكّر ذلك، والتوفيق لأداء كلّ فريضة ونافلة، بل كلّ فعل خير، ومنه إصلاح ذات البين، ويكفي سجدة واحدة، والأفضل سجدتان، فيفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين أو الجميع، مقدّماً الأيمن على الأيسر ثُمَّ وضع الجبهة ثانياً.

ويستحبّ فيها افتراش الذراعين، وإلصاق الصدر والبطن بالأرض، وأن يمسح موضع سجوده بيده، ثُمَّ يمرّها على وجهه، ومقاديم بدنه، وأن يقول فيه: (شكراً لله شكراً لله)، أو مائة مرّة (شكراً شكراً)، أو مائة مرّة (عفواً عفواً)، أو مائة مرّة (الحمد لله شكراً)، وكلّما قاله عشر مرّات قال: (شكراً للمجيب)، ثُمَّ يقول: (يا ذا المنّ الذي لا ينقطع أبداً، ولا يحصيه غيره عدداً، ويا ذا المعروف الذي لا ينفد أبداً، يا كريم يا كريم يا كريم)، ثُمَّ يدعو ويتضرّع ويذكر حاجته.

قال الإمام الصادق(عليه السلام): (إن العبد إذا سجد فقال: يا رب يا رب، حتى ينقطع نفسه، قال له الرب تبارك وتعالى: لبيك ما حاجتك)[5].

وعنه(عليه السلام): (أيما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة من غير صلاة كتب الله بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات في الجنان)[6].

 والأحوط وجوباً فيه السجود على ما يصحّ السجود عليه، والأحوط استحباباً السجود على المساجد السبعة[7].

وأفضل هذه السجدة، ما كانت بعد الصلاة شكراً لتوفيق الله تعالى لأدائها، عن أبي عبد الله(عليه السلام): (سجدة الشكر واجبة على كل مسلم[8]، تتم بها صلاتك، وترضي بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وإن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه، ملائكتي ماذا له عندي؟ قال فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك، ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك، ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاية مهمه، فيقول الرب تبارك وتعالى ثم ماذا؟ قال: ولا يبقى شئ من الخير إلا قالته الملائكة، فيقول الله تبارك وتعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة ربنا لا علم لنا ،[قال:] فيقول الله تبارك وتعالى: أشكر له كما شكر لي، وأقبل إليه بفضلي، وأريه وجهي)[9].

وعنه(عليه السلام): (إنما يسجد المصلي سجدة بعد الفريضة ليشكر الله تعالى ذكره فيها على ما من به عليه من أداء فرضه، وأدنى ما يجزي فيها، شكرا لله ثلاث مرات)[10].

 والأدعية الواردة في سجدة الشكر كثيرة، منها:

1- ( يا ربِّ صلِّ على محمد وآل محمد واعتق رقبتي من النار) مائة مرة[11].

2- ( أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب)[12].

3-  (سجد وجهي اللئيم لوجه ربي الكريم)[13].

9. أن يعلم أن الله عزّ وجلّ هو أرحم الراحمين، وهو أرحم بالعبد من رحمة الأم بطفلها، فعن الامام الصادق(عليه السلام)  أنه قال: (أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود(عليه السلام):
إن العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأبيحه جنتي، فقال داوود(عليه السلام): يا ربّ وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة، فقال داوود(عليه السلام):
حقّ لمن عرفك أن لا ينقطع رجاؤه منك)[14].

10. أن لا يحلف بالله صادقاً ولا كاذباً، فلا يحلف صادقا احتراماً وتأدباً مع الله عزّ وجلّ، حيث لا يذكر في الأمور البسيطة، بل يعتمد على الصدق الذي أمر به الله، وثقة الناس به.

11. أن يعلم أن الله خلق الإنس والجن، ليعبدوه، وأرسل الرسل، ومعهم من البراهين الدالة الواضحة، لما فيه خيرٌ للمخلوقات، تفضّلاً منه، لأنه أرحم الراحمين، وخلق الخلق محتاجين إليه، ليكون بالغنى منفرداً وبالقدرة الكاملة وحيداً، حتى يشعر المخلوقات بأنه الخالق ويعلمهم أنه هو الرازق، فيتوجه الخلق إلى طاعته رغبةً ورهبةً.

 12. أن يعلم الإنسان أن الله أمره بأوامر، ونهاه عن نواهٍ، ولم يكلفه بأكثر مما يستطيعه، ولكن جعل لكل قول وعمل أجره وثوابه، ليتسابق الناس في الحصول على الجوائز الإلهية فالحسنة بعشرة أمثالها، والسيئة بمثلها.

13. أن يعلم أن الله عزّ وجلّ خلق الجنة ترغيباً لعباده في طاعته، وخلق النار ترهيباً لعباده حتى لا يعصوه.

وتأدباً لدين الله ينبغي للإنسان أن لا يضيّع صحة جسده بعمل لا ينفع، ويضيّع وقته بالتقصير في طاعة الله، ويضيّع ماله بالإسراف والتبذير، ويضيّع شبابه في طاعة شهواته.

 


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج91، ص99.

[2] الصحيفة السجادية، أبطحي: ص144.

[3] تفسير العياشي، العياشي: ج2، ص208.

[4] الخصال، الشيخ الصدوق: ص299.

[5] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج1، ص333.

[6] ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق: ص35.

[7] راجع منهاج الصالحين، السيد السيستاني(دام ظله): مسألة657.

[8] تأكيد للاستحباب أي كالواجبة في استحقاقها الاهتمام بها.

[9] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج1، ص333.

[10] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق: ج1، ص333.

[11]    بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج83، ص133.

[12] الكافي، الشيخ الكليني:  ج3، ص327.

[13] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ج3، ص91.

[14] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص189.