تحفة معمارية رائعة
يعد مسجد التوبة في شارع عرابي بمدينه دمنهور عاصمة محافظة البحيرة من أشهر المساجد الإسلامية، وهو واحد من أقدم مساجد مصر، ويعد ثاني مسجد تم بناؤه في إفريقيا، حيث يعود تاريخ المسجد إلى بداية الفتح الإسلامي لمصر منذ حوالي 14 قرنًا وقبل فتح الإسكندرية سنة 21 هجرية، ويحمل مسجد التوبة ملامح خاصة تمتزج بين الدينية والاجتماعية والسياسية والأثرية، فهو المسجد الذي بني ليكون قبلة للتائبين، فكان مقصداً لكل تائب وعائد إلى الله، فالتائبون يقصدونه للتوبة إلى الله، فكان هذا هو سبب شهرته وذيوع صيته، وهنا يكمن السبب في تسميته بـ(مسجد التوبة).
ويقع المسجد على ربوة في مكان استراتيجي ومتميز بمدينة دمنهور بالقرب من محطة القطار، وسط المواقع الأثرية هناك والجوامع ذات القيمة التاريخية والثقافية الكبيرة.
(مسجد التوبة) قبلة الثائرين وملاذ العابرين:
لمسجد التوبة أهمية كبيرة ودور أكبر على مر العصور، فهو يمثل قيمة كبيرة لأهالي دمنهور، فالصلاة اليومية تقام فيه جماعة، والصلاة على الميت لا تقام إلا في هذا المسجد، حيث يقصده أهالي الموتى لتوديع ذويهم والصلاة عليهم؛ نظراً لقرب الجامع من المقابر وتبركاً بدعوات مئات المصلين الذين يؤدون فيه الفروض يومياً، مضافا الى دور المسجد الاجتماعي حيث يوجد فيه معهد للدراسات الإسلامية ودار لتحفيظ القرآن الكريم وقاعات تعطى فيها دروس تقوية لطلبة المدارس، كما تقام فيه المناسبات الرسمية والاحتفالات الدينية المختلفة والتي من أبرزها فعاليات إذاعة القرآن الكريم في مختلف المناسبات التي تشهدها محافظة البحيرة.
ولا يتوقف دور مسجد التوبة عند ذلك، فهو يمثل أيضاً ضالة المغتربين أو التائهين أو الباحثين عن قسط من الراحة، فكل الذين يأتون من ريف دمنهور لقضاء حوائجهم لا بد أن يمرّوا على مسجد التوبة، حيث إن موقعه المتميز وسط البلد وبجوار محطة القطار جعله ملجأ للقادم إلى المدينة للراحة من عناء السفر.
واشتهر المسجد بدوره السياسي البارز، حيث ظل على مدى التاريخ قبلة للمظاهرات والاحتجاجات ضد الطغاة والظالمين، وكان شاهد عيان على جميع الاحتجاجات التي قامت بها القوى السياسية وكان دوما نقطة انطلاق لجميع حشودهم ومسيراتهم الاحتجاجية؛ نظرا ً لموقعه الفريد في قلب المدينة وحجمه الكبير الذي يتسع لآلاف المصلين.
فكانت أسوار المسجد تحمي الثوار من رجال الأمن، وكانت السلالم هي المنصة التي يهتفون عليها، وتجمّع المواطنين يكون في حماه وحول جدرانه، والتجمعات الثورية غالباً ما كانت تبدأ عنده، وفي بعض الأحيان تنتهي أيضا عنده.
لذلك كان هذا المسجد غصةً في حلق النظام القمعي الأمني، حيث كانوا يقصدونه بالعديد من عربات الأمن لمحاصرة المصلين المشاركين في المسيرات الاحتجاجية والسيطرة عليهم، وشهد محيط المسجد سقوط الدماء الطاهرة والزكية لمئات المتظاهرين، والتي زادت من قيمة وشرف المكان في قلوب أهالي المدينة.
ويعتبر هذا المسجد مقصداً للمرشحين في انتخابات رئاسة الجمهورية ومجلس الشعب، حيث كانوا يستأجرون مقارّهم الانتخابية بجوار المسجد كي تنطلق مسيراتهم وجولاتهم الانتخابية منه بعد أداء الصلاة.
إعادة بناء وترميم المسجد:
يعتبر هذا المسجد تحفة رائعة من البناء المعماري الإسلامي نظراً لوجود عدة زخارف رائعة وأعمدة من أفضل أنواع الرخام الخالص في العالم.
ولقد تم إعادة بناء المسجد حوالي مرتين، كما أنه رُمِّم حوالي (10) مرات كان آخرها ما قامت به جمعية تعمير وإنشاء المساجد في دمنهور من عمليات ترميم واسعة كلفت 2 مليون جنيه في الفترة (2012-2015م) بدعم من المتبرعين ورجال الأعمال الخيرين وبجهود ذاتية من أهالي المدينة..
ويحتوي المسجد على منبر جميل أهداه محافظ دمنهور في الستينيات بعد عملية إعمار المسجد سنة 1958م، كما وتزيّن المسجد ثريا نحاسية قديمة كبيرة الحجم تزن حوالي ثلاثة أطنان.
جدير بالذكر أن قبلة المسجد مصنوعة من الجبس لم تتغير منذ إعادة بناء المسجد عام 1958. المصدر: بيوت المتقين (42) شهر جمادى الاخرة 1438هـ