دعا الإسلام إلى التَّحلي والتَّخلق بكلّ خلقٍ حسن، فإنّما يُعرف المسلم بأخلاقه الحَسَنة، ويمتاز عن غيره بتمسُّكه بها، ومما ينبغي على المسلمين أن يتميّزوا به من الأخلاق خُلُق العفّة، والعفّة تعني البعد عن الفواحش والرذائل والقدرة على ضبط الشهوات التي تدعو إليها النفس البشرية، فهي جُبلت على حبِّ الهوى، وطاعة النَّفس الأمّارة بالسوء، وكلّما ابتعد المسلم عن الشهوات والملذّات كان أقرب للتحلّي بالعفّة التي توصل إلى تقوى الله والقُرب منه، فما هي العفّة؟ وكيف للمسلم أن يتحلّى بها؟ ذلك ما ستتطرّق له هذه المقالة.
العفّة لغةً:
العفّة في اللغة: «مصدر عفَّ يقال: عَفَّ عن الحرام يعِفُّ عِفَّةً وعَفّاً وعَفَافَةً أي: كفَّ، فهو عَفٌّ وعَفِيفٌ، ويقال: المرأة عَفَّةٌ وعَفِيفَةٌ، وأعَفَّهُ الله، واسْتَعَفَّ عن المسألة أي: عفَّ، وتَعَفَّفَ: تكلف العِفَّةَ»[1]. و«العِفة الكَفُّ عما لا يَحِلُّ ويَجْمُل، والاسْتِعْفاف طلَبُ العَفافِ»[2].
تعريف العفة اصطلاحاً: «هيئة للقوة الشهوية متوسطة بين الفجور الذي هو إفراط هذه القوة، والخمود الذي هو تفريطها، فالعفيف مَن يُباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة»[3]. وقيل أيضاً هي: «ضبط النفس عن الملذّات الحيوانية، وهي حالة متوسطة بين الإفراط وهو الشره والتفريط وهو جمود الشهوة»[4].
أنواع العفّة:
تُقسم العفّة على نوعين رئيسين، وبهما يمكن تمييز المسلم الملتزم بأخلاق الإسلام عن غيره من الناس.
النوع الأول: العفّة عن المحارم، ويُقصد بها الكف عن محارم المسلمين، من الدم والمال والعرض، وهذه العفّة نوعان عند العلماء، الأول: ضبط الفرج عن الحرام؛ أي: عدم الاقتراب الفعلي من الحرام سواء بالزنا أو ما قاربه من المحرّمات، والثاني كفّ اللسان عن الأعراض؛ أي: من الفحش والتفحش بالكلام كالغيبة والنميمة، والخوض في أعراض الناس، وغير ذلك.
النوع الثاني: العفّة عن المآثم والمعاصي، وهي نوعان: الكف عن المجاهرة بالظلم؛ أي: الكف عن ظلم الناس جهاراً نهاراً، وعدم الخوف من الله تعالى عند ظلم الناس، وعدم الاعتراف بظلمهم مع علم الظالم في سريرة نفسه أنّه ظالم، وكفّ النفس عن الإصرار على الخيانة، سواء كان ذلك في الظاهر أو الباطن؛ في الظاهر أمام الناس، وفي الباطن في سريرة نفسه[5].
عوامل اكتساب العفّة:
طلب العلم الشرعي والتعرّف على الله (عزّ وجل) وصولاً إلى درجة عالية من الإيمان الذي يكون سبباً في كبح النفس عن شهواتها، والتضرّع إلى الله تعالى ودعاؤه وكثرة مناجاته بصدق وخضوع، والصوم: فهو سبيل إلى طهرة النفس وتزكيتها وضبط شهواتها، والإكثار من النوافل: التي تقرّب العبد من ربّه وتكسبه محبّته، والابتعاد عن أسباب الإثارة، والزواج: فإنّه باب واسع لعفّة الجوارح، وغضّ البصر: ففيه إبعاد للنفس عن التعرّض للشهوات والمغريات، والابتعاد عن أصدقاء السوء[6].
ثمرات العفّة:
للعفّة ثمرات من أهمها: تعتبر العفّة من ثمرات الإيمان، وبالعفة تُحفظ الجوارح عمّا حرّم الله تعالى، وبالعفة تُحفظ الأعراض في الحياة الدّنيا، والفوز بالنعيم في الآخرة. تُعتبر العفّة ركناً من أركان المروءة الّتي ينال بها الإنسان الحمد والشّرف، وبوجود العفّة يكون المجتمع سليماً من المفاسد والفواحش.. انتشار العفّة وإشاعتها في المجتمع تجعل من المجتمع مجتمعاً صالحاً.
قال رجل للباقر(عليه السلام): (إنني ضعيف العمل، قليل الصلاة قليل الصيام، ولكني أرجو أن لا آكل إلا حلالا، ولا أنكح إلا حلالا. فقال له: أي جهاد أفضل من عفة بطن وفرج)[7]. تُعتبر العفّة دليلاً على كمال النّفس وعزّتها. يكون الشخص العفيف مستريح النّفس مطمئنّ البال[8].
الوسائل المُعِينة على العفّة:
هناك العديد من الوسائل التي يمكن للفرد اتباعها ليصل إلى العفّة، ومن هذه الوسائل: أن يتقي العبد الله (عزّ وجلّ) في سرّه وعلانيته، وأن يلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء بأن يصرف عنه السوء والفحشاء، وتربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الإسلامية، والزواج، وإقامة الحدود وتطبيقها في المجتمع، وسد الذرائع المؤدية إلى الفساد في المجتمع[9].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (67)
[1] الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح: ص213.
[2] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب: ج9، ص253.
[3] الجرجاني، التعريفات: ص151.
[4] الراغب الأصفهاني، الذريعة إلى مكارم الشريعة: ص224.
[5] ينظر: منظور محمد، العفّة في القرآن الكريم: ص102.
[6] ينظر: المصدر السابق: ص100.
[7] المجلسي، البحار: ج2، ص184.
[8] ينظر: عدد من المختصين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم: ج7، ص2888.
[9] ينظر: منظور محمد، العفّة في القرآن الكريم: ص120.