شيخ البطحاء (رضي الله عنه)

تطل على المؤمنين ذكرى أليمة في السابع من شهر رمضان المبارك، وهي وفاة عمِّ النبيِّ(صلى الله عليه وآله) أبي طالب(رضي الله عنه) في السنة العاشرة بعد البعثة، وبهذه المناسبة الحزينة نعرض لبعض السطور عن هذه الشخصية التي لها الفضل العظيم على الرسالة المحمدية الخالدة.

لم تكن شخصية أبي طالب(رضي الله عنه) شخصية مطمورة في تاريخ ما قبل الإسلام وما بعده، فقد كان أبو طالب هو ذلك الإنسان المحترم في قومه، والمعروف بحكمته في قريش، والشجاع بكلمته ومواقفه، وأبرز المواقف الشجاعة والجريئة التي منه(رضي الله عنه) هو موقفه الخالد مع ابن أخيه نبيِّ الرحمة محمد بن عبد الله(صلى الله عليه وآله)، ذلك الموقف الذي لا يختلف عليه اثنان من المسلمين، ولا ينكره أحد إلا مكابر أو من يريد أذىً برسول الله(صلى الله عليه وآله)، فهو الناصر والكافل لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، والمحامي عن شخصه المبارك، وهو الذي قدّم أولاده فداء لرسول الله(صلى الله عليه وآله) في مواقع خطرة، وعرّض نفسه وعياله للمحق والخسران المادي والاِجتماعي والسياسي في سبيل دعوة النبي محمّد(صلى الله عليه وآله)، وقَبِل الحصارَ الجائر، وبقي في المحاصَرين.

نعم هناك خلاف في خاتمة هذا الإنسان العظيم، وهل مات على الكفر -والعياذ بالله- أم مات مؤمناً؟ فغدتْ هذه المسألة نقطة خلافية ومفصلية بين مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) وبين العامة، ومن الواضح جداً أن الثابت لدى الطائفة الحقّة هو أن أبا طالب(رضي الله عنه) عاش مؤمناً ومات مؤمناً، بخلاف جمهور العامة الذين يذهبون إلى أنه مات مشركاً، وهذا ما سنسلط الضوء عليه في الأسطر الآتية إن شاء الله تعالى.

مثبتات إيمان أبي طالب (رضي الله عنه):

1- إبقاء فاطمة بنت أسد(رضي الله عنه) تحت زوجها أبي طالب(رضي الله عنه)، فلو كان أبو طالب مشركاً كما يدّعي العامّة للزم أن يفرِّق النبيّ(صلى الله عليه وآله) بينه وبين فاطمة بنت أسد(رضي الله عنه) استناداً إلى قوله تعالى: (وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا) البقرة: 221.

2- تصريحاته وأقواله الكثيرة جدّاً، فإنّها كاشفة عن إيمانه وإسلامه، ومنها أشعاره التي عبّر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله: (قالوا: فكلّ هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر؛ لأنّه إن لم تكن آحادها متواترة، فمجموعها يدلّ على أمر واحد مشترك، وهو تصديق محمّد(صلى الله عليه وآله)، ومجموعها متواتر)[1].

 ومن تلك الأشعار:

ولقد علّمتُ بأنَّ دينَ محمدٍ             مِنْ خَيْرِ أَديانِ البّريةِ دِينا

3- ترحّم النبيّ(صلى الله عليه وآله) عليه، واستغفاره له باستمرار، وحزنه عليه عند موته، حتى سُمّي العام الذي توفي فيه بعام الحزن.

المصدر: مجلة اليقين العدد (38)، الصفحة (11).

 


[1] شرح نهج البلاغة: ج14، ص78.