نسبه وكنيته (رضوان الله عليه):
هو أُويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن- بطن من بطون مراد- بن رومان، من أصول يمنية، وكنيته أبو عمرو القرني.
صفاته (رضوان الله عليه):
أبرز صفاته بّره بأمه وإخفاء حاله وورعه وزهده وتقواه وقوة صلته بالله عزّ وجلّ، لو أقسم على الله لأبره، وهو من عباد الله الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يُعرفوا وإن غابوا لم يُفتقدوا، قلوبهم مصابيح الدجى.
معاصرته للنبي (صلى الله عليه وآله):
أدرك زمن النبي (صلى الله عليه وآله) وأسلم ولكنه لم يره، وشهد الرسول (صلى الله عليه وآله) له بالجنة، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في ذكر من أخبر النبيُّ (صلى الله عليه وآله) بأنهم من أهل الجنة ولم يرهم، إذ قال: (شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجنة ولم يرهم: أويس القرني وزيد بن صوحان العبدي وجندب الخير الأزدي رحمة الله عليهم)[1].
دعاؤه وعبادته (رضوان الله عليه):
اشتهر عنه رضوان الله عليه العبادة والعزلة والانقطاع إلى الله تعالى بالدعاء والتوسل إليه، وقد ورد في كتب الأدعية دعاء له معروف باسمه، وهو دعاء له آثار عظيمة في الاستجابة وقضاء الحوائج حيث ذكر في شأنه أنه: دعاء علمه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لأُويس القرني، وقال: (من دعا بهذه الدعوات استجاب الله له، وقضى جميع حوائجه، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي بعثني بالحق نبياً إن من بلغ إليه الجوع والعطش، ثم قام ودعا بهذه الأسماء أطعمه الله وأسقاه، ولو أنه دعا بهذه الأسماء على جبل بينه وبين الموضع الذي يريده لاتسع الجبل حتى يسلك فيه إلى أين يريد، وإن دعا بها على مجنون أفاق من جنونه، وإن دعا بها على امرأة قد عسر عليها ولدها هون الله عز وجل عليها ولادتها.... إلى آخر ما ذكر من فضائله وهي كثيرة)[2].
أحاديث في فضائله (رضوان الله عليه):
ومما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه كان يقول: (تفوح روائح الجنة من قبل قرن، واشوقاه إليك، يا أويس القرني، ألا ومنْ لقيه فليقرئه عني السلام، فقيل: يا رسول الله، ومَن أويس القرني؟ قال(صلى الله عليه وآله): إنه إن غاب عنكم لم تفقدوه، وإن ظهر لكم لم تكترثوا به، يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر، يؤمن بي وما رآني، ويقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين بعد أن يقاتل)[3].
وعن أبي العباس محمد بن يعقوب عن العباس بن محمد الدوري عن أبي نعيم عن شريك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (لما كان يوم صفين نادى منادٍ من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أُويس القرني؟ قالوا: نعم، فضرب دابته حتى دخل معهم ثم قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم يقول: خير التابعين أُويس القرني)[4].
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم أنه قال: (إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أُويس لا يدع باليمن غير أمٍّ له، قد كان به بياض فدعا الله تعالى فأذهبه عنه إلا مثل موضع الدرهم، فمن لقيه منكم فمِروُه فليستغفر لكم)[5].
وعنه (صلى الله عليه وآله): (إن من أمتي مَن لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني)[6].
وعنه (صلى الله عليه وآله): (إنه سيكون في التابعين رجل من (قرن) يقال له أُويس بن عامر يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه، فيقول: اللهم دع لي في جسدي ما أذكر نعمتك علي، فيدع له منه ما يذكر به نعمته عليه، فمَن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له، فليستغفر له)[7].
وصفه لنفسه (رضوان الله عليه):
روي عن أويس القرني (رحمة الله عليه) أنه قال لرجل سأله كيف حالك؟ فقال: كيف يكون حال من يصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يبشر بالجنة ولا يعمل عملها، ويحذر النار ولا يترك ما يوجبها، والله إن الموت وغصصه وكرباته وذكر هول المطلع وأهوال يوم القيامة لم تدع للمؤمن في الدنيا فرحاً، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهباً ولا فضة، وإن قيام المؤمن بالحق في الناس لم يدع له صديقا، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتمون أعراضنا ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون على ذلك أعواناً من الفاسقين، إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله)[8].
شهادته (رضوان الله عليه):
مما اشتهر فيما يخص شهادته (رضي الله عنه) أنّها في صفين مع علي بن ابي طالب (عليه السلام)، كما ورد في بعض الروايات، منها:
ما ورد عن الأصبغ بن نباتة حيث قال: كنت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً ثم قال: (أين تمام المائة؟ فقد عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه يبايعني في هذا اليوم مائة رجل، فقال: فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين، فقال: هلم يدك أبايعك، فقال: على ما تبايعني؟ قال: على بذل مهجة نفسي دونك، قال: ومن أنت؟ قال: أويس القرني، فبايعه، فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل فوجد في الرجالة مقتولاً)[9].
وورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) (أن أويس القرني شهد مع الإمام علي (عليه السلام) وقعة صفين حيث قوله: شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالجنة ولم يرهم: أويس القرني وزيد بن صوحان العبدي وجندب الخير الأزدي رحمة الله عليهم)[10].
ولكن مع ذلك فهناك تشويش كبير في مكان دفنه، فقد ذكر الحموي في معجم البلدان: (وبالجابية قبر أويس القرني، وقد زرناه بالرقة، وله مشهد بالإسكندرية وبديار بكر والأشهر الأعرف أنه بالرقة)[11].
وورد في بعض المصادر:
أن جماعة من الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة إلى الشام فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء، فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، ثم ركبوا فقال بعضهم: كيف نترك قبره بغير علامة، فعادوا للموضع فلم يجدوا للقبر من أثر[12].
وفي آخر:
عن أبيه عن عبد الله بن سلمة، قال: غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا - يعني أويس - فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه! فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر ) [13] .
ومن الواضح أنهما روايتان أمويتان تريدان إبعاد قبر أويس عن صفين، وتنفيان استشهاده مع علي (عليه السلام)
مجلة بيوت المتقين العدد (19)
[1] بحار الأنوار ج32 ص 618.
[2] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 92 - ص 390.
[3] الروضة في فضائل أمير المؤمنين، لشاذان بن جبرئيل القمي: ص 48و49.
[4] المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3 ص 402.
[5] كنز العمال للمتقي الهندي: ج 14، ص 5.
[6] سير أعلام النبلاء للذهبي: ج4، ص30.
[7] كنز العمال للمتقي الهندي: ج 14، ص 7.
[8] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 72، ص 367.
[9] خصائص الأئمة للشريف الرضي: ص 53 و54.
[10] الاختصاص للشيخ المفيد: ص81 و82.
[11] معجم البلدان للحموي: ج 2، ص 468.
[12] كتاب المعلم في شرح صحيح مسلم للقرطبي: ص50.
[13] حلية الأولياء الحافظ ابو نعيم الاصبهاني: ج2، ص 84.