بمناسبة ولادة أبي الفضل العبّاس(عليه السلام) في الرَّابع من شهر شعبان أحببنا أن يكون مقالنا في هذا العدد مخصوصاً لقمر العشيرة العبّاس بن علي(عليه السلام)، ذلك الطَّيبُ الطاهر الذي قلمّا نجد شخصاً -إن لم نقل بعدم وجود شخص من أمثاله- يحمل صفات هذا العبد الصالح، بل إن المواقف التي سطّرها العباس(عليه السلام) مع الله تعالى ومع أَهل بيت النبوة(عليهم السلام) لهي دروسٌ ومناهج يمكنها أن تشيّد مدرسةً إلهية في العقيدة والأخلاق، كيف لا؟! وهو ربيب ذلك البيت الذي قال الله تعالى عنه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأَحزاب: 33، ذلك البيت الذي كان يَملأُ وجودَهُ عليٌّ والحسنُ والحسينُ وزينبُ(عليهم السلام)، قال الشاعر:
عنِ المرْءِ لا تَسألْ وسَلْ عــن قَرينهِ فكُـــلُّ قَرينٍ بالمُقَـــارِنِ يَقْتَـــدي
وباعتبار أن المجلة تعنى بالشأن العقائدي فيمكننا أن نقتنص ثلاثةَ (وإن كانت هي أكثر بالتأكيد) مواقف من حياة مولانا أبي الفضل العباس(عليه السلام)، ترسم لنا مدى قوة اليقين الذي كان يحمله العباس(عليه السلام)، وهي:
1- المواقف البطولية التي برزت لمولانا أبي الفضل العباس(عليه السلام) في حياة أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) من خلال مشاركته في حرب الجمل والنهروان وصفّين، التي تكشف عن يقينه العميق وبصيرته النافذة.
2- الموقف الثاني هو في كربلاء عندما خرج لمقابلة شمر اللعين ليلة عاشوراء، بعد أن منح الشمر الأمان له ولأخوته، فقال العباس(عليه السلام): «لَعَنَكَ اللهُ ولعنَ أَمانك، أَتُؤمنُنَا وابنُ رسولِ اللهِ لا أَمانَ لَهُ! وتَأْمُرُنَا أَنْ نَدْخُلَ في طَاعةِ الُّلعناءِ وأَولادِ الُّلعناءِ!» مقتل الحسين للمقرم ص209، وهذا يكشف عن موقفه العقائدي الصلب الذي يقف عليه أبو الفضل العباس(عليه السلام) باتباعه لإمامه الحسين(عليه السلام).
3- والموقف الثالث هو عندما خرج لقتال جيش بني أمية في كربلاء حيث أخذ يرتجز ويقول:
واللّـهِ إِنْ قطعــتُمُ يَمـيني إِنّي أُحــامي أَبـداً عن دِيني
وعنْ إِمـامٍ صادقِ اليَقـين نجـل النَّبي الطَّاهر الأَمـينِ
هذه مواقفٌ ثلاثةٌ من مواقف عديدةٍ اشتملت عليها شخصية أبي الفضل العباس(عليه السلام)، فكان وجوده(عليه السلام) يقيناً وأَخلاقاً ووفاءً لله تعالى ولأوليائه(عليه السلام)، قال إمامُنا الصَّادقُ(عليه السلام): «كَانَ عَمُّنَا العَبّاسُ نَافِذَ البَصِيرةِ، صُلْبَ الإِيمانِ، لَهُ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ اللهِ يَغْبِطُهُ بِها جميعُ الشُّهَداءِ»[1].
المصدر: مجلة اليقين العدد (37)، الصفحة (11).