أينَ قبرك يا فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

ولأي الأمور تــــدفــــن ليــــــلا           بضعة المصطفى ويعــفى ثراها؟!

فمضت وهي أعظم الناس شجوا           في فم الدهر غــصّة من جــواها !

وثوت لا يرى لها الناس مثـــوى           أي قـــدس يضـــمه مثــــواها ؟ !

نقل العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار ج43 ص192 (قد علم الناس بوفاة الصديقة الزهراء (عليها السلام) وقد اجتمعوا إلى بيت (عليه السلام) وهم يضجّون وينتظرون أن تخرج الجنازة ليصلّوا عليها، إلا أن الصحابي الجليل أبا ذر خرج وقال للمجتمعين: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أُخّر إخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا.  

فلما أن هدأت العيون ومضى شطر من الليل، أخرجها علي والحسن والحسين (عليهما السلام) وعمّار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل وقد سوّى أمير المؤمنين (عليه السلام) حواليها قبوراً مزوّرة بمقدار سبعة حتى لا يُعرف قبرها.

 لاشك في أنّ خفاء قبر الزهراء (عليها السلام) يعود الى حكمة، كيف وقد حفظ التأريخ قبور الصحابة وأمهات المؤمنين وغيرهم من الناس، فليس من الصدفة ولا من الإهمال أن يكون قبر بنت النبي (صلى الله عليه وآله) مغموراً مجهولاً لدى المسلمين، والحكمة هي بيان مظلوميتها وما فعله الظالمون بها لحظة فراق أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) الى هذا اليوم، لذلك كان إخفاء قبرها بوصية منها عليها السلام، حيث روي عن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: ( لما مرضت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصّت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها ويخفي خبرها, ولا يؤذن أحداً بمرضها, ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رضي الله عنها على الاستسرار بذلك كما وصّت به. فلما حضرتها الوفاة, وصّت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتولّى أمرها, ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها, فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ودفنها وعفى موضع قبرها... )[1].

وعن ابن البطائني عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: لأي علّة دفنت فاطمة (عليها السلام) بالليل ولم تدفن بالنهار؟ قال: ( لأنها أوصت أن لا يصلي عليها الرجلان الاعرابيان )[2].

إخفاء القبر سوف يثير السؤال - عند المسلمين المؤرّخين وغيرهم - عن السبب، فلا يجدوه إلا الظلم والعدوان اللذيْن حصلا على ذلك البيت الطاهر وتلك البنت الطاهرة، فتظهر لهم ملابسات شهادتها روحي لها الفداء فيفتح ذلك باباً في التأريخ للبحث عن الحقيقة التي حاول التاريخ إخفائها وطمسها.

 

[1] أمالي المفيد: ص 281.

[2] علل الشرائع للصدوق: ج 1، ص 185.