نقل عبد الله بن الحسن في كتاب (مناظرات في الإمامة: ج4، ص81) أن اليعقوبي قال في تأريخه: ج2، ص225:
لمَّا حضرت شهادة الإمام الحسن(عليه السلام) قال لأخيه الحسين(عليه السلام): «يا أخي! هذه المرة الثالثة التي سُقيتُ فيها السم، ولم أسقه مثل هذه المرة، وأنا ميِّت من يومي، فإذا متُّ فادفنّي مع جدي رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فما أحد أولى بقربه منّي، إلاَّ أن تُمنع من ذلك، فلا تسفك محجمة دم في دفني قربه».
فقال الإمام الحسين للإمام الحسن(عليهما السلام): من سقاك السم يا أخي؟
فقال الإمام الحسن(عليه السلام): وما تريد منه؟ أتريد أن تقتله؟ إن يكن هو هو، فالله أشدُّ نقمة منك، وإن لم يكن هو، فما أحبُّ أن يؤخذ بي بريء.
وبعد أن وافت المنية الإمام الحسن(عليه السلام) قال ابن عباس: دعانا الإمام الحسين(عليه السلام) أنا وعبد الله بن جعفر وعلي بن عبد الله بن العباس، وقال لنا(عليه السلام): غسّلوا ابن عمّكم، فغسّلناه وحنّطناه وكفّناه، ثمَّ صلَّينا عليه في المسجد، فأمر الإمام الحسين(عليه السلام) أن يفتح بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) لدفنه فيه، فحال دون ذلك مروان بن الحكم، وآل أبي سفيان، وبعض ولد عثمان بن عفان، وقالوا: أَيدفن أمير المؤمنين عثمان بالبقيع، ويُدفن الحسن مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟! والله لا يكون ذلك حتى تُكسر السيوف بيننا، وتنقصف الرماح، وينفد النبل.
فقال الحسين(عليه السلام): والله، إن الحسن بن علي بن فاطمة لأحق برسول الله(صلى الله عليه وآله) وبيته ممن أُدخل بيته بغير إذنه.
فأبى الحسين(عليه السلام) أن يدفنه إلّا مع جدّه النبي(صلى الله عليه وآله)، فكادت الفتنة أن تقع، فقال جماعة من أنصار الإمام(عليه السلام) وخلق من الناس له بعد اجتماعهم به: دعنا وآل مروان، فو الله ما هم عندنا إلّا كأكلة رأس.
وبعد ما حصل ودرءا للفتنة، ما كان من الإمام الحسين(عليه السلام) إلا أن أمرنا بنقل جسد أخيه الطاهر الإمام الحسن(عليه السلام) إلى البقيع لدفنه، نظرا لما أوصاه بعدم سفك محجمة دم في ذلك، فحملناه، وأتينا به ودفناه هناك.
قال ابن عباس: فكنت أول من انصرف، فإذا بعائشة في أربعين رجلاً، تقدمهم على بغلة شهباء، وتأمرهم بالقتال.
فقالت لي لما رأتني: إليَّ إليَّ يا بن عباس! لقد اجترأتم عليَّ في الدنيا، تؤذونني مرَّة بعد أخرى، تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبُّ.
فقال ابن عباس: وآ سوأتاه! يوم على بغلة، ويوم على جمل، تريدين أن تطفئي فيه نور الله، وتقاتلي أولياءه، وتحولي بين رسول الله(صلى الله عليه وآله) وبين حبيبه أن يدفن معه، ارجعي فقد كفى الله المؤنة، ودُفِن الإمام الحسن(عليه السلام) في البقيع، فلم يزدد من الله (تعالى) إلاَّ قرباً، وما ازددتم منه إلاَّ بعداً، يا سوأتاه! انصرفي فقد رأيت ما سرَّك.
فقالت عائشة ونادت بأعلى صوتها: ألم تنسوا يوم الجمل يا بن عباس؟ إنكم لذو أحقاد.
فقال ابن عباس: أما والله ما نسيه أهل السماء، فكيف ينساه أهل الأرض؟! كأنكِ أردتِ أن يقال: يوم البغلة كما قيل: يوم الجمل؟
قالت عائشة: رحمك الله، ذاك يوم نسي.
قال ابن عباس: لا يوم أذكر منه على الدهر[1].
مجلة اليقين، العدد (43)، الصفحة (8 - 9).