من وحي كلمات الحجة (عجل الله فرجه الشريف)

يوم ظهور الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) هو اليوم الموعود الَّذي تتحقَّق فيه كلمة الله تعالى ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[1]، هو يوم ظهور الحقِّ وانتصار العدل، يوم تهفو إليه قلوب المؤمنين، وتشتاق إليه عيون المخلصين، وتتعلَّق بحبائله صرخات المظلومين، وتستنير بهديه قوافل السائرين.

هو يوم الإسلام العظيم، يوم الله الذي تظهر فيه جنوده، وتعلو فيه راياته ويُنتصر فيه لأوليائه... هو يوم يختصر بمعانيه كلَّ النور، ليطرد كلَّ الظلام... يدغدغ ذكره مشاعر المنتظرين، فمتى تصل نفوسنا إلى اللياقة المطلوبة لتحمُّل مسؤوليَّة يوم الظهور، ومتى سترتفع تلك اليد المباركة لتقلَّدنا وسام استحقاق النصرة، وتقبَلَنا أفراداً في طلائع ذلك الجيش، جيش الإمام(عجل الله فرجه الشريف) في يومه الموعود.

سنتعرف فيما يلي على بعض الأمور والمفاهيم الأساسيَّة الواردة في الروايات على لسان الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف حول يوم الظهور وعلاماته والتمهيد للظهور.

كذب الوقّاتون

(إنَّ يوم الظهور، هو يوم واقع لا شك فيه، ولكنَّ توقيت ذلك اليوم ومتى سيكون، هو في علم الله تعالى، وسيفاجأ الناس بحصوله، ولذلك فإنَّ أيَّ توقيت ليوم الظهور غير صحيح، ولا يمكن الاعتماد عليه.

وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله وكذب الوقّاتون)[2].

التمهيد للظهور

إنَّ يوم الظُّهور توقيته غير معلوم بالنسبة لنا كما أسفلنا، ولكن رغم ذلك فإنَّنا مؤثّرون في توقيت الظُّهور وتسريعه أو إبطاءه، وهذا ما تشير إليه العديد من الروايات عنه(عجل الله فرجه الشريف):

1- «وأمَّا علة ما وقع من الغيبة فإنَّ الله عز وجل قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ المائدة: 101. إنَّه لم يكن أحد من آبائي إلاَّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنِّي أخرج- حين أخرج- ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي»[3].

إذا كان سبب حصول الغيبة هو من قبيل حصول المانع الَّذي يمنع من قيام الإمام الحجة(عجل الله فرجه الشريف) بدوره المبارك في إظهار وانتصار الحقِّ على الباطل والعدل على الجور، فهذا يعني أنْه بانتفاء هذا المانع وارتفاع هذا السبب سيكون الظُّهور بإذن الله تعالى، وأنَّ الغيبة لا زالت مستمرة باعتبار أنَّ هذا المانع لم يرتفع بعد.

ولعلَّ الرِّواية تشير إلى أنَّ السبب الأساسي للغيبة عدم وجود الناصر الكافي لتحقيق هذا الأمر، وأنَّ الإمام لا زال ينتظر جهوزيَّة جنوده الَّذين سيقاتل بهم الأعداء، ولعلَّ هذا هو المقصود من الاستشهاد بالآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.

2- «ولو أنّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاَّ ما يتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلّم»[4].

هذه الرواية تؤكد أنَّ الذي يُبقي الإمام في الغيبة ويحبسه عنّا، ويؤخّر في الظهور، ليس انتظاره لامتلاء الأرض ظلماً وجوراً، فالأرض كانت ممتلئة كذلك من لحظة الغياب، وهي ممتلئة الآن بأبشع أنواع الظلم والجور، ولو كانت الأرض الآن بعيدة عن الظلم والجور لبادر الإمام لقيادتها بعدله، وما كان ليتأخر عنها وهي جاهزة لذلك، إنَّ الذي يؤخِّر الإمام هو ما يصله ويطَّلع عليه من أعمالٍ لا يرضاها تصله عنّا. وما يؤخره هو عدم جهوزيَّة المجتمع لتحمُّل هذه المسؤوليَّة الكبرى، فإذا اجتنبوا المعاصي وأعدّوا أنفسهم تماماً لتحمُّل تلك المسؤوليَّة وصاروا جاهزين يملكون الكفاءة اللازمة، فسيأتي وقت العاقبة الحميدة: «والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنوا المنهيَّ عنه من الذنوب»[5].

3- «يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض إئتوني طائعين، فترد صيحته(عليه السلام) عليهم وهم على محاريبهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل، فيجيئون نحوها (أي: نحو الصيحة)، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه عليه السلام بين الركن والمقام...»[6].

عندما يصبح النقباء وأهل الخاصَّة ومن ذخرهم الله تعالى لنصرة الإمام(عجل الله فرجه الشريف) جاهزين ومستعدين، فإنَّ النداء سيأتيهم من الإمام(عجل الله فرجه الشريف) ليلتحقوا به ويكون تحقيق الوعد الإلهي على أيديهم.

4- وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم[7].

لا شك أن الدعاء من الأمور الأساسية المؤثرة، لأنَّه من جهة فيه توجه لله تعالى الذي قال ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ غافر:60، ومن جهة أخرى يقوِّي الارتباط والعلاقة بالإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف)، ومن جهة ثالثة يوجِّه الإنسان نحو إعداد العدة وتمهيد الأرض لهذا اليوم العظيم. فلهذا الدعاء أثره الغيبيّ والنفسيّ والعمليّ.

من علامات الظهور

ليس غرضنا أن نستقرئ في هذه الفقرة علامات الظهور، وأقسامها، وإنَّما نذكر بعض الأمور التي وردت في الروايات المرويَّة عن الإمام الحجة(عجل الله فرجه الشريف)، وبعضهم واضح بدلالته ولكنَّ بعضها الآخر أشبه بالرموز التي يفهمها الإنسان بشكل تفصيلي حين تقع، لذلك نكتفي بعرضها.

1ـ  وآية حركتنا من هذه اللوثة (اللوثة- بالضم- الاسترخاء والبطء) حادثة بالحرم المعظّم، من رجس منافق مذمّم، ستحلّ للدم المحرّم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان»[8].

2- علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن، وآتي مكة فأكون في المسجد الحرام، فيقال: انصبوا لنا إماماً، ويكثر الكلام حتى يقدم رجل من الناس فينظر في وجهي ثم يقول: يا معشر الناس هذا المهدي انظروا إليه) ثم جاء في النص ما يلي: (فيأخذون بيدي، وينصبوني بين الركن والمقام فيبايع الناس عند إياسهم عني)[9].

 

المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (73) ـ الصفحة: 20 - 21.

 


[1] سورة القصص:5.

[2] كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق: ص484.

[3] المصدر السابق: ص485.

[4] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ج1، ص40.

[5] المصدر السابق: ص39.

[6] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج53، ص7.

[7] الغيبة، الشيخ الطوسي: ص293.

[8] تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ج1، ص40.

[9] الغيبة، الشيخ الطوسي: ص302.