قبل أن نُجيب عن السؤال نبيّن في مقدمة ظروف غيبته(عليه السلام)، نقول فيها إنّ الإمام المهديّ(عليه السلام) لم يختر غيبته اختياراً مستقلاً، بل كانت غيبته أمراً من الله تعالى، وذلك بعد أن ظلم الطغاةُ وأتباعهم آباءَهُ الطاهرينَ قتلاً وسمّاً وتشريداً وسَبْيَاً، والنتيجة من بقائه في هذهِ الأمّةِ وفي هذه الظروف تعني قتله أيضاً أو سجنه أو الحجر عليه، فشاءَت إرادةُ اللهِ سُبحانهُ أن يغيب عنها؛ ليحفظ دوره ووظيفته في الوقت المناسب، وهي إقامة دولةِ العدلِ الإلهيّةِ الكُبرى التي بشّرَ بهَا القرآنُ الكريمُ، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)[1].
قالَ الطّبريُّ في تفسيرِهِ للآيةِ الكريمةِ: عَن أبي هُريرةَ في قولِهِ: ليُظهرَهُ على الدّينِ كُلّهِ قالَ: حينَ خروجِ عيسَى ابنِ مريمَ[2]، ومنَ المعلومِ أنَّ خروجَ عيسَى (عليه السلام) يكونُ عندَ ظهورِ المهديّ (عليه السلام)، كمَا يشهدُ لذلكَ البُخاريُّ، حيث نقل في صحيحِهِ عَن نافعٍ مولى أبي قُتادةَ الأنصاريّ أنَّ أبا هُريرةَ ُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كيفَ أَنتُم إِذا نزلَ ابنُ مريمَ فيكُم وإمامُكُم مِنكُم[3].
قالَ ابن حجرٍ العسقلاني: وكلّهُم - أي المسلمونَ- ببيتِ المقدسِ وإمامُهُم رجلٌ صالحٌ، قَد تقدّمَ ليُصلّي بهِم إذ نزلَ عيسَى، فرجعَ الإمامُ ينكصُ ليتقدّمَ عيسَى، فيقفُ عيسَى بينَ كتفيهِ ثُمَّ يقولُ تقدَّم؛ فإنّهَا لكَ أُقيمَت، وقالَ أبو الحسنِ الخسعيّ الأبديّ في مناقبِ الشّافعيّ تواترتِ الأخبارُ بأنَّ المهديَّ مِن هذهِ الأمّةِ وأنَّ عيسَى يُصلّي خلفَهُ [4].
والآن نعود إلى جواب السؤال: متَى سيخرجُ هذا الإمامُ الموعودُ؟
في تقديراتنا إنّ الأمة الآن غير مهيّأة للخروج، وموانع الظهور التي هي بأمر الله تعالى لم ترتفع؛ لأنّ الأمة ما زالت تجرّب الحكومات المختلفة، ولها أمل أنّ إحداها ستكون بها صفات الحكومة العادلة، لذلك بعدَ أن يفشلَ الجميعُ في قيادةِ الأمّةِ، ويدرك الرعية سوء اختياراتهم، وذلك بعد توالي صنوفُ الخيبة والحرمان عليها من تياراتِ الضّلال من ملوكٍ فاشلين، ورؤساء انتهازيين، وقوميّين كافرين، وداعشيين مُتطرّفين وغيرهم، فيطلبونَهُ حينئذٍ ليُنقذَهُم، وتكون أمة صالحة لظهوره.
تقولُ الرّوايةُ عَن أمِّ سلمةَ: سمعتُ رسولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله): «يكونُ اختلافٌ عندَ موتِ خليفةٍ، فيخرجُ مِن بنِي هاشمٍ فيأتِي مكّةَ، فيستخرِجهُ النّاسُ مِن بيتِهِ بينَ الرّكنِ والمقامِ، فيَجهزُ إليهِ جيشٌ منَ الشّامِ، حتَّى إِذا كانُوا بالبيداءِ خُسِفَ بهِم، فيأتيهِ عصائبُ العراقِ وأبدالُ الشّامِ، وينشأُ رجلٌ بالشّامِ أخوالُهُ مِن كلبٍ، فيُجهّزُ إليهِ جيشاً فيهزِمُهُم اللهُ، فتكونُ الدّائرةُ عليهِم، فذلكَ يومُ كلبٍ، الخائبُ مَن خابَ مِن غنيمةِ كلبٍ، فيستفتِحُ الكنوزَ، ويقسمُ الأموالَ، ويُلقِي الإسلامُ بجرانِهِ إِلى الأرضِ، فيعيشونَ بذلكَ سبعَ سنينٍ، أَو قالَ: تسعاً) قالَ الهيثميُّ: رواهُ الطّبرانيُّ في الأوسطِ، ورجالهُ رجالُ الصّحيحِ[5].
فلاحِظْ قولَ النّبيّ (عليهِ أفضلُ الصّلاةِ والسّلامِ): (فيستخرجُهُ النّاسُ مِن بيتِهِ)، أَي إنَّ النّاسَ تصلُ إِلى مرحلةٍ مِنَ الاختلافِ ما إن تسمعُ بخروجِهِ، كمَا تقولُ الرّوايةُ: (فيخرجُ مِن بنِي هاشمٍ فيأتِي مكّةَ)، حتّى تأتِي إليهِ الأمّةُ بنفسِهَا تطلبُهُ وتستخرجُهُ مِن بيتِهِ ليحكُمَ فيهَا بالحقِّ.
وهذه الأخبار والمعاني وردت عند جميع الفرق الإسلامية، ويكفينا نقلها عن علماء الفرق الأخرى، وخلاصة القول: إن غيبته لها أسباب طبيعية، وهي فقدان الثقة في الأمة في المحافظة على إمامهم، لتجبر ولاة وسلاطين الجور، كذلك أمر الله تعالى بغيبة الإمام (عليه السلام) لانعدام الظروف الصالحة لبقائه بين ظهرانيّ الأمة.
كذلك ظهوره المبارك (عليه السلام)، فإنّ له أسبابه الطبيعية التي تجعله يأمن على حياته وسط أمة واعية مضحّية في سبيل الله، وينتظر (عليه السلام) أمر الله تعالى بالخروج إلى الناس بتلك الطلعة البهيّة المنتظرة؛ ليملأ المعمورة بالقسط والعدل.
المصدر: مجلة اليقين العدد (56)