بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[1].
كان العالم البشري -بل عالم الخليقة أَجمع- في يوم السابع عشر من ربيع الأول على موعد مع بزوغ فجر الإنسانية والإسلام، وعلى موعد مع ذلك النور الإلهي المنعكس من نور العرش والكرسي، فما إن حلت ساعة الولادة المباركة، وأُذن للسيدة آمنة بنت وهب (رضي الله عنه) أَن تضع مولودها الخاتم (صلى الله عليه وآله)، حتى صدح صوت التوحيد على لسان ذلك الوليد الطاهر، وشعشع نوره في أرجاء الجزيرة، فتزلزل إيوانُ كسرى وسقطت شرفاته، وانخمدت نار فارس التي كانت تعبد من دون الله جلَّ وعلا عشرات السنين، إيذاناً منه تعالى ببداية المهمة الرسالية المحمدية، والإعلان عن ختم رسالات السماء بهذا النبي المرسل (صلى الله عليه وآله).
هذا النبي الذي بعث لتطهير البشرية من براثن الشرك والعبودية لغير الله، وتخليصها من قبضة الظلم والاضطهاد الجاهلي.
هذا النبي الذي أرسل للبشرية ليخط لهم طريق الصلاح والسعادة، وليستأديَهم ميثاق فطرتهم، ويذكرهم منسيَّ نعمته، ويثير لهم دفائن العقول، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[2].
لكن هذه الرسالة الإلهية المحمدية لم تبلغ تمام الغاية التي أرادها الله تعالى منها، ولم تصل إلى الهدف الذي رسمه الله تعالى لمسيرة البشرية على يد هذه الرسالة الخاتمة، لأن التخطيط الإلهي لتكامل البشرية لا يتم إلّا بخاتمة أخرى، وهي خاتمة إمامة لا نبوة، لأن النبوة قد ختمت بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله)، إلا أن الإمامة لم تختتم بعد، حتى يظهر المنقذ الموعود، وخاتم الأوصياء، الحجة بن الحسن المهدي (عليه السلام)، بحركة إِلهية مكمّلة لحركة الرسالة الخاتمة، تُحقق الرسالةُ الإلهيةُ على يديه هدفها المنشود، وتصل البشرية إلى غايتها، ويعم السلام والأمان ربوع المعمورة، وتعيش البشرية سعادتها الدنيوية في أتم صورها، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[3].
مجلة اليقين العدد (44)