في هذه الأيام الحزينة يستعدّ المؤمنون من أصحاب المواكب لإحياء الشعائر الحسينية باستقبال زوار أبي الأحرار (عليه السلام) لما في هذه الخدمة المقدسة من ثواب عظيم، فهم لا يذكرون أو يحيون التعزية والبكاء حسْب، بل إن الموكب الحسيني يمثل وقفة للتأسّي بدروس عاشوراء والاقتداء بأبطاله، في جميع شؤونهم.
العَبرة والعِبرة
العَبرة والعِبرة، ميزتان متلازمتان لشهادة الإمام الحسين(عليه السلام)، أما العَبرة، فإنها تحرق قلوب المؤمنين عند ذكر سيّد الشهداء(عليه السلام)، وليس تعبير أبلغ وأصدق من تعبير النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) في هذه العَبرة: «إِنَّ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) حَرَارَةً فِيْ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لاتَبْرَدُ أَبَدَاً»[1]، وعلى قدر تلك الحرقة والحرارة يحظى الفرد بالثواب والجائزة، فكلّما جاد الإنسان في الحزن والبكاء على مصاب الإمام الحسين(عليه السلام) أظهر للعالم استنكاره لما جرى على الإمام(عليه السلام)، بمعنى أنّ العَبرة على الإمام(عليه السلام) مظهر من مظاهر نصرته في أيّ وقت كان.
وأما العِبرة فيمكن أن نستكشف معطياتها بالتفكير في سبب أن الإمام الحسين (عليه السلام) وأبناءَه (عليهم السلام) وأصحابه (رضوان الله عليهم)، طريق الشهادة، بيد شر الناس، بحيث حصل القتل بصورة بشعة وسبيت النساء والأطفال.
«وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ»
من هذه الفقرة من زيارة الأربعين تظهر عِبرة مهمّة، فإنّ أئمّتنا (عليهم السلام) بذلوا مهجهم في سبيل الله ومن أجل هداية الناس، ولكن ذكر في وصف الإمام الحسين (عليه السلام) هذا التعبير، لأنّه (عليه السلام) باستشهاده قد فتح مدرسة العِبرة للمسلمين، ليقفوا بوجه الظلم، ويذوقوا طعم السعادة، وقد هيّأ (عليه السلام) أسباب الهداية ومهّد طريقها، عندما قدّم دمه الزكي للقضاء على الجهالة وتحقيق الصلاح.
إن مهمّتنا – ونحن أمام هذه التضحيات - أن نتمثّل هذه المعطيات، وأن نجعل من شهادة الإمام (عليه السلام) درساً مستمراً في حياتنا بجميع أبعادها، وتوظيفها على أكمل وجه لهداية أنفسنا والآخرين، وأن نقتبس من هذا النور الإلهي ما نُضيء به طريق الهداية ونطرد به الظلمات.
فينبغي أن يعمل المؤمنون لإظهار الحياة الإنسانية بالصورة التي رسمها سيد الشهداء (عليه السلام)، ويسعون إلى اقتباس قيم حياتهم من أهداف وقيم سيّد الشهداء (عليه السلام).
إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أرخصَ روحَه الطاهرة وأرواح أهل بيته من أجل أصول الدين، والأحكام الشرعية، والأخلاق الإسلامية، فمن آمن بمبادئه وعقد ولاءه لسيّد الشهداء (عليه السلام)، لابد من استحضار هذه الأهداف الحسينية ويضعها على رأس أولوياته، إضافة إلى التعبير عن آلامه بالبكاء ومجالس العزاء التي تذكر فاجعة أهل البيت (عليهم السلام) في ذلك اليوم الدامي.
وهناك مهمّة ثانية نقتبسها من العِبرة الحسينية وهي حثّ الآخرين على أن يتّصلوا بهذا المعين الصافي، ويرسموا حياتهم على هذا النهج، وتعريفهم بشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) وأهدافه ومبادئه، وأن يستلهموا التعاليم القيّمة لهذه المدرسة المعطاء.
وقد نلاحظ بعض الناس يغفل عن ترجمة هذه العِبرة، فلا يحضر مجالس الوعظ والخطابة أو المجالس الدينية ـ لأسباب عدّة ـ أو يكون حضورهم قليلاً ومحدوداً، فمن هذا المنطلق، ينبغي على الذين يتردّدون على تلك المجالس، ويستمعون إلى محاضرات الخطباء والوعّاظ، ويستفيدون ممّا يسمعون فيها من أحكام ومعارف، على هؤلاء إرشاد الآخرين ووعظهم وأن يرفدوهم بالعلوم والمعارف ـ ولو بجزء يسير ـ التي تعلّموها من خلال حضورهم مجالس الإمام الحسين(عليه السلام).
وليس من الصحيح أن يستهين أحدٌ منّا بقدراته، فلا يرى نفسه أهلاً لإرشاد الناس، أو يقلّل من قابلياته في هذا المجال، فلكلّ منّا مواهب خلاّقة وإمكانات موجودة في عمق ذاته، فإذا ما أحسن الاستفادة منها وتوظيفها لَوَقَف على حقيقة قدراته ولمس روائع إبداعاته، كما قال الشاعر:
أتَزْعَــمُ أنَّــكَ جِــرْمٌ صَــغِيرٌ
وَفِيْكَ انْطَـوَى الْعَـالَمُ الأكْــبَرُ
فعلينا توجيه الآخرين ولو بكلمة أو فكرة صغيرة، فربما يكون أثرها كبيراً.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (41)