يروى أن معاوية بن أبي سفيان مرّ يوماً بجمع من قريش مجتمعين حول عبد الله بن عباس، فلما رأوه قاموا إليه مرحّبين إلا ابن العباس بدأت عليه أمارة الجفاء وعدم الترحيب.
فقال معاوية لعبد الله بن عباس: يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلا لموجدة ـ أي لتحاملك ـ عليّ بقتالي إياكم يوم صفين، ثم عقّب قائلاً: يا ابن عباس إن عمّي عثمان قتل مظلوماً -أي أنّ الحيف واقع على معاوية بسبب ذلك-.
فقال ابن عباس: إن عمر بن الخطاب قد قتل مظلوماً ـ أي: ليحتج به على معاوية ـ فسلّم الأمر إلى ولده من بعده وهذا ابنه.
فقال معاوية: إن عمر قد قتله مشرك.
قال ابن عباس: فمن قتل عثمان!؟ ـ فمن قتل عثمان هو مسلم ـ فذلك أدحض لحجتك وأحل لدمه، إن كان المسلمون قتلوه وخذلوه فليس إلا بحق.
قال معاوية بن أبي سفيان: فإنا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته، فكف لسانك يا بن عباس وأربع على نفسك ـ أي توقف وأسلم عليها-.
قال ابن عباس: فتنهانا عن قراءة القرآن؟
قال معاوية: لا أنهاكم عن قراءته.
فقال ابن عباس: أفتنهانا عن تأويله؟
قال معاوية: نعم، أنهاكم عن ذلك.
قال عبد الله بن عباس: أفنقرأه ولا نسأل عمّا عنى الله به؟
قال معاوية: نعم.
قال ابن عباس: فأيما ـ أيهما ـ أوجب علينا قراءته أو العمل به؟
قال معاوية بن أبي سفيان: سل عن ذلك من يتأوله على غير ما يتأوله أنت وأهل بيتك.
قال عبد الله بن عباس: إنما أنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط واليهود والنصارى والمجوس؟!!
قال معاوية: فقد عدلتنا بهم ـ أي تقارننا بهم-.
قال ابن عباس: لعمري ما أعدلك بهم، إلا إذا نهيت الأمة أن يعبدوا الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي، أو حلال وحرام، أو ناسخ أو منسوخ، أو عام أو خاص، أو محكم أو متشابه، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.
قال معاوية: فاقرءوا القرآن ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم وما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) وارووا ما سوى ذلك.
قال ابن عباس: قال الله تعالى في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى الله إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[1].
قال معاوية: يا ابن عباس اكفني نفسك وكفّ عني لسانك، وإن كنت لا بد فاعلا فليكن سرّا، ولا تُسمعه أحداً علانية.
ثم رجع معاوية إلى منزله خائباً يجرّ أذياله من نقاشه مع ابن عباس[2].
مجلة اليقين، العدد (53)، الصفحة (8 - 9).