الله (جل جلاله) مالك كل شيء

بسم الله الرحمن الرحيم

(للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[1].

التفسير:

هذه الآية في الحقيقة تكملة للجملة الأخيرة في الآية السابقة وهي قوله تعالى: (...وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، حيث يقول بعدها عز وجل: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)، ولهذا السبب فهو يعلم جميع أفعال الإنسان الظاهرية منها والباطنية: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله).

أي: لا ينبغي لكم أن تتصوروا أعمالكم الباطنية مثل كتمان الشهادة والذنوب القلبية الأخرى سوف تخفى على الله تعالى الحاكم على الكون بأجمعه والمالك للسموات والأرض، فإنه لا يخفى عليه شيء، فلا عجب إذا قيل أن الله تعالى يحاسبكم على ذنوبكم القلبية ويجازيكم عليها فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.

ويحتمل أيضا أن الآية أعلاه تشير إلى جميع الأحكام المذكورة في الآيات السابقة من قبيل الإنفاق الخالص والإنفاق المشوب بالرياء أو المنة والأذى وكذلك الصلاة والصوم وسائر الأحكام الشرعية والعقائد القلبية.

في ختام الآية تقول: (وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، أي: عالم بكل شيء يجري في هذا العالم، وقادر أيضاً على تشخيص اللياقات والملكات، وقادر أيضاً على مجازات المتخلفين.

ملاحظتان:

1- قد يتصور أن هذه الآية مخالفة للأحاديث الكثيرة التي تؤكد على النية المجردة، ولكن الجواب واضح، حيث إن تلك الأحاديث تتعلق بالذنوب التي لها تطبيقات خارجية وعملية بحيث تكون النية مقدمة لها من قبيل الظلم والكذب وغصب حقوق الآخرين وأمثال ذلك، لا من قبيل الذنوب التي لها جنبة نفسية ذاتاً وتعتبر من الأعمال القلبية مثل: (الشرك، والرياء، وكتمان الشهادة).

وهناك تفسير آخر لهذه الآية، وهو أنه يمكن أن يكون لعمل واحد صور مختلفة، مثلاً الإنفاق تارة يكون في سبيل الله، وأخرى يكون للرياء وطلب الشهرة، فالآية تقول: أنكم إذا أعلنتم نيتكم أو أخفيتموها فإن الله تعالى أعلم بها وسيجازيكم عليها، فهي في الحقيقة إشارة إلى مضمون الحديث الشريف: «لَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ»[2].

2- من الواضح أن قوله تعالى: (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ)، أن إرادته لا تكون بدون دليل، بل أن عفوه أيضاً يرتكز على دليل ومبرر، وهو متوقف على نيته الشخص وصلاحيته للعفو الإلهي، وهكذا في عقابه وعدم عفوه[3].

مجلة بيوت المتقين العدد (98)

 


[1] سورة البقرة: آية 284.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص84.

[3] تفسير الأمثل، الشيخ مكارم الشيرازي: ج2، ص361 بتصرف.