1- عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) ـ عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقامُوا)، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): (اسْتَقَامُوا عَلَى الأَئِمَّةِ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ: (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)[1].
2- عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَمَّنْ ذَكَرَه عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِه تَعَالَى: (وأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً). قَالَ: (يَعْنِي لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى وَلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ والأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِه (عليهم السلام) وقَبِلُوا طَاعَتَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ ونَهْيِهِمْ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً يَقُولُ لأَشْرَبْنَا قُلُوبَهُمُ الإِيمَانَ والطَّرِيقَةُ هِيَ الإِيمَانُ بِوَلَايَةِ عَلِيٍّ والأَوْصِيَاءِ)[2].
الشرح:
(وأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)، أن مخففة من الثقيلة، والمراد بالطريقة طريقة الإسلام، والاستقامة عليها لزومها والثبات على ما تقتضيه من الإيمان بالله وآياته.
والماء الغدق الكثير منه، ولا يبعد أن يستفاد من السياق أن قوله: (لأسقيناهم ماء غدقا) مَثَلٌ أريد به التوسعة في الرزق، ويؤيده قوله بعده: (لنفتنهم فيه).
والمعنى: وأنه لو استقاموا أي الجن والإنس على طريقة الإسلام لرزقهم الله رزقاً كثيراً،
فالآية في معنى قوله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[3].
وفي مجمع البيان عن الإمام الرضا (عليه السلام) (أنه سُئل: ما الاستقامة؟ قال: (هي والله ما أنتم عليه) وفي تفسير القمي في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، قال: ثم استقاموا على ولاية علي أمير المؤمنين).
وفي معاني الأخبار في تفسير قوله تعالى (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)، عن الصادق (عليه السلام): (وهي الطريق الى معرفة الله، وهما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة، فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة من عرفه بالدنيا، واقتدى بهداه مرَّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم)[4].
ويظهر أن الاستقامة تتضمن عدة معانٍ:
(أولها): الثبات وعدم الميلان والانحراف عن الصراط المستقيم، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في معنى قوله تعالى: (اهدِنَا الصِرَاطَ المُستَقِيمَ)، (يعني أرشدنا إلى لزوم الطريق المؤدي إلى محبّتك، والمبلّغ إلى جنتك، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك).
(ثانيها): المداومة على الطاعة وعمل الخير والاستمرارية فيه؛ فانه لابد من الاستمرار على الطريق الصحيح، عن علي (عليه السلام) في معنى قوله تعالى: (اهدِنَا الصِرَاطَ المُستَقِيمَ): (يعني أدِم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا).
(ثالثها): الاعتدال فلا إفراط ولا تفريط، لأن كلاً منهما ابتعاد عن الاستقامة، قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[5]، والطغيان هو الخروج عن حد الاعتدال.
(رابعها): الوضوح في الإيصال إلى الهدف فلا شبهات ولا شكوك ولا غموض ولا التفاف ولا حيرة أو تردد، كما أن من صفات استقامة الطريق ذلك ليتحقق المطلوب منه بشكل كامل ولا يضل السائر عليه.
(خامسها): الإخلاص، فالاستقامة لا تكون إلا إذا كانت لله تبارك وتعالى وعلى الصراط الذي أمر بإتباعه، وليس لنيل غاية معينة من شهرة أو مال أو منصب أو جاه، قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)، لا كما تشتهي ولا أي نحو آخر.
والخلاصة الاستقامة تتحقق بطاعة الله تبارك وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ومَن أمر بطاعته بعده وهم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) ثم نوّابهم بالحق، فإتباع القيادة الدينية الحقة ضمان للبقاء على الاستقامة على الصراط المستقيم.
مجلة بيوت المتقين العدد (61)