عيد الغدير

في الثامنِ عشرَ من شهرِ ذي الحجّة الحرام، وفي ذلك المكانِ المسمّى بـ(غدير خم)، وبعدَ إِتمامِ الحجِّ الأَكبر في العام ذاتِهِ، كانَ حجّاجُ بيتِ اللهِ الحرامِ المجتمعونَ بالأُلوف مع النبيِّ الخاتمِ(صلى الله عليه وآله) على موعدِ مع السماءِ بإِعلانِ إِلهي جديد، وبموقفِ تاريخي فارق، حيثُ الإِرادة الإِلهية التي اقتضت أَن يكون هذا اليوم هو عيدُ اللهِ الأَكبر، نَعَم عيدُ اللهِ الأَكبر، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ و(اسْمُهُ فِي السَّمَاءِ يَوْمُ‏ الْعَهْدِ الْمَعْهُود، وَفِي الْأَرْضِ يَوْمُ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ وَالْجَمْعِ الْمَشْهُودِ) كما عن صادقِ آلِ محمدٍ(صلى الله عليه وآله) (تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي: ج3، ص143)، وهو اليومُ الذي أَعلنتْ إِرادةُ السَّماءِ عن تنصيبِ الخليفةِ الحقِّ بعدَ النَّبيِّ الأَكرم(صلى الله عليه وآله)، إِذ لم تكُن تلكَ المواقفُ السَّابقةُ كما يبدو -من الجَهْر والتَّصريحِ بخلافةِ أَميرِ المؤمنينَ(عليه السلام) بعدَ النَّبيِّ(صلى الله عليه وآله)، والتَّنصيص عليهِ في أَكثرِ من نصٍّ وحادثةِ وموقفِ- كافيةً وشافيةً إِلا بموقفٍ عظيمٍ وإعلانٍ خطير، فنزلَ قولُهُ تَعالى: (يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)[1]، ولا تكونُ الظروفُ مؤاتيةً ومستجمعةً للمطلوب إِلا في تلكَ الحجّةِ التي أَعلن فيها نبيُّ الرَّحمة(صلى الله عليه وآله) بأَنها حجّةُ الوداع، حيثُ حضورِ الأُلوف من كلِّ فجٍّ عميقٍ، فَوَضَعَ(صلى الله عليه وآله) عَلى نَفسِهِ أوزارَ المَسيرِ، ونَهَضَ في رَمضاءِ الهَجيرِ، فَخَطَبَ فَأَسمَعَ، ونادى فَأَبلَغَ، ثُمَّ سَأَلَهُم أجمَعَ فَقالَ: هَل بَلَّغتُ؟ فَقالوا: اللّهُمَّ بَلى، فَقالَ: اللّهُمَّ اشهَد، ثُمَّ قالَ: ألَستُ أولى بِالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم؟ فَقالوا: بَلى، فَأَخَذَ بِيَدِ أَمير المؤمنينَ(عليه السلام) وقالَ(صلى الله عليه وآله): «مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا عَلِيٌّ مَولاهُ، اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ، وعادِ مَن عاداهُ، وَانصُر مَن نَصَرَهُ، وَاخذُل مَن خَذَلَهُ» حتى قالها عمر: (هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)[2]، فتمّتْ حجّةُ اللهِ على الحاضرينَ أَجمعينَ، بلْ والغائبينَ واللَّاحقينَ، وبلّغ رسولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله) ما أَراده اللهُ تعالى بحقِّ وليِّه عليِّ بنِ أَبي طالبٍ(عليه السلام)، لكن ما آمَنَ بِما أنزَلَ اللهُ بحقِّهِ عَلى نَبِيِّهِ(صلى الله عليه وآله) إلّا قَليلٌ، ولا زادَ أكثَرُهُم إلّا تَخسيراً.

مجلة اليقين العدد (53)

 


[1] المائدة: آية 67.

[2] التفسير الكبير، الرازي: ج12، ص42