مثّلت ثورة الحسين (عليه السلام) انتفاضة القيم في وجه الطاغوتية المتوحشة، فكانت ثورة بناء جديد للإسلام الذي انعطف انعطافه الخطأ والبعد عن دين الله، ووقاية ممتدة عبر السنين من تحكم الطواغيت بالدين وتحويل الناس إلى عبيد ،وقد حفل يوم العاشر من محرم بكل معاني السمو التي كانت من الحسين(عليه السلام) كالغيث يحيي القلوب ويميت الشيطان والباطل في نفوس المؤمنين الذين تغلبوا على شهوات انفسهم، فلم يهبطوا في حضيض الفشل في مواجهة النفس والشيطان، إن صوت الإمام(عليه السلام) المدوي لا زال يوقظ الهمم ويوجه بوصلة الإنسان نحو الحق نحو الله انظر لقوله(عليه السلام): «ألا وإنَّ الدَّعِيَّ ابنَ الدَّعِيِّ قَد تَرَكَني بَينَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وهَيهاتَ لَهُ ذلِكَ مِنّي، هَيهاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ، أبَى الله ذلِكَ لَنا ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ وحُجورٌ طَهُرَت وجُدودٌ طابَت أن نُؤثِرَ طاعَةَ اللِّئامِ عَلى مَصارِعِ الكِرامِ..»[1].
هذه القوة صنعت النصر وقوة المواجهة في نفوس المؤمنين فهذا محمد بن بشير الحضرمي في حال الحرب والخوف من القتل وصله نبأ اسر ابنه، فقال في حاله هذا تسليما ورضا عند الله احتسبه ونفسي، ماكنت أحب أن يؤسر وأن أبقى بعده، ويسمع الإمام (عليه السلام) الكلام فيقول له: «رحمك الله، أنت في حلٍّ من بيعتي، فاعمل في فَكَاك ابنك»[2].
وهذه رحمة الإمام الذي يؤثر سرور هذا الرجل بابنه على نفسه وهو في أمس الحاجة لنصر لكل مقاتل في حربه مع هذا الجيش الجرار - وفق الظاهر وإلا فإن الحسين (عليه السلام) لم يجبر أيَّ أحدٍ، بل إنه خيّرهم فاختاروه صلوات الله عليه - فقال وقد امتلك الحسين (عليه السلام) مجامع قلبه: أكلتني السباع حياً إن فارقتك.
فقال له الإمام(عليه السلام): فأعطِ ابنك هذه البرود (ثوب مخطط أو غير مخطط) -الكلام عن ابن آخر للرجل- يستعين بها في فكاك أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار[3].
المصدر: مجلة اليقين العدد (54)، الصفحة (11).