كان أَحد الملوك القدماء سميناً، كثير الشّحم واللحم، ويعاني الأَمرّين من زيادة وزنه، فجمع الحكماء لكي يجدوا له حلاً لمشكلته، ويخفّفوا عنه قليلاً من شحمه ولحمه، فجاء رجل عاقل لبيب متطبّب، فقال له الملك: عالجني ولك الغِنى، قال: أَصلح اللهُ الملك، أنا طبيب منجّم، دعني حتّى أَنظر الليلة في طالعك، لأرى أَيَّ دواءٍ يوافقه، فلمّا أَصبح طلب من الملك الأَمان، فلمّا أَمّنه قال: رأيت طالعك يدلّ على أنّه لم يبق من عمرك غير شهر واحد، فإِن اخترت عالجتك، وإن أَردت التّأكد من صدق كلامي فاحبسني عندك، فإِن كان لقولي حقيقةٌ، فخلِّ عنّي، وإِلا فاقتصَّ مني، فحبسه، ثمّ احتجب الملكُ عنِ النّاس، وخلا وحده مغتمّاً، فكلما انسلخ يومٌ ازداد همّاً وغمّاً، حتّى هزل وخفّ لحمه، ومضى لذلك (28) يوماً، فأخرجه وقال ما ترى؟
فقال الطبيب: أَعزّ اللهُ الملكَ أَنا أَهون على الله من أَن أَعلم الغيب، والله إِنّي لا أَعلم عمري، فكيف أَعلم عمرك؟! ولكن لم يكن عندي دواء إِلا الغَمّ، فلم أَقدر أَن أَجلب إِليك الغمّ إِلا بهذه الحيلة، فإِنّ الغمّ يذيب الشّحم! فأَجازه الملكُ على ذلك، وأَحسن إليه غاية الإحسان، وذاق الملك حلاوة الفرح بعد مرارة الغمّ.
ومن هذا نعلم أَنَّ الله لم يُطلعنا على الغيبِ رحمة بنا، فلو علم كلٌّ مِنَّا موعدَ أَجلهِ لما عمِل للدنيا، ولما ازدهرت الحياةُ، وعاش حياتَهُ في نَكَدٍ، فإِخفاء موعدِ الأَجلِ على الإِنسانِ يفتح الأَفاق والمستقبل بالأَملِ.