بعد انتهاء حصة التربية الإسلامية خرج أستاذي مسرعاً من الصف فهممت وخففت الخطى خلفه وقبل دخوله صالة استراحة المدرسين رفعت صوتي مناديا يا أستاذ فألتفت لي قائلا خيراً يا محمد؟
فقلت له: راودني سؤال شخصي أثناء الحصة عن موضوعنا اليوم وهو (الصدقة).
فقال: ولِمَ لَم تسألني في أثنائها ألا ترى إنه وقت استراحتي.
فقلت: لأنه سؤال شخصي نوعاً ما، ولم أرد أن أستقطعه من وقت الدرس.
فقال: تفضل.
فقلت: كثيرا ما أشاهدك تدفع الصدقة.
قال: نعم، ولكن كيف لاحظتني؟ فأنا حين أتصدق أحاول أن لا يراني أحد، ذلك أن الصدقة المستحبة إذا دفعت سرا كانت أفضل مما لو دفعت جهرا أمام أعين الناس فقد كان إمامك وإمامي علي بن الحسين (عليه السلام) يقول: (صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ). الكافي للكليني: ج4، ص7.
فقلت: وهل يعتبر في الصدقة شيء؟
قال: نعم، فيعتبر فيها قصد القربة لله تعالى.
فقلت: وهل لها وقت محدد؟
قال: كلا، ولكن يستحب التبكير بها، فإن التبكير بها يدفع شر ذلك اليوم ويستحب دفعها في أول الليل كذلك فإن دفعها في أول الليل يدفع شر الليل، فيقول معلى بن خنيس: (خَرَجَ أبو عَبدُاللّه عليه السلام في لَيلَةٍ قَد رَشَّتِ السَّماءُ وَهُوَ يُريدُ ظُلَّةَ بَني ساعِدَةٍ فَأتبَعتُهُ فَإذا هُوَ قَد سَقَطَ مِنهُ شَيءٌ فَقالَ :
ِسمِ اللّه اللّهمَّ رُدَّ عَلَينا، قال: فَأتَيتُهُ فَسلَّمتُ عَلَيهِ فقال: أنتَ مُعلّى؟ قُلتُ: نَعَم جُعلتُ فِداكَ، فَقالَ لي: الَتمِس بِيَدِكَ فَما وَجَدتَ مِن شَيءٍ فَادفَعهُ إلَيَّ قال: فَإذا أنا بِخُبزٍ مُنتَثِرٍ، فَجَعلتُ أدفَعُ إلَيهِ ما وَجَدتُ، فَإذا أنا بِجِرابٍ مِن خُبزٍ فقلت: جُعلتُ فِداكَ أحمِلهُ عَنكَ؟ فقال: لا أنا أولى بِهِ مِنكَ وَلكِن امضِ مَعي، قال: فَأتَينا ظُلَّةَ بَني ساعِدَةٍ فَإذا نَحنُ بِقَومٍ نيامٍ فَجَعَلَ يَدُسُّ الرَّغيفَ وَالرَّغيفَينِ تَحتَ ثَوبِ كُلَّ واحِدٍ مِنهُم حَتّى أتى عَلى آخِرَهُم ثُمَّ انصَرَفنا فقلت: جُعلتُ فِداكَ يَعرِفُ هؤلاءَ الحقَّ، فقال: لَو عَرَفوا لَواسَيناهُم بِالدِّقَّةِ والدقة هي الملح - إن الله لم يخلق شيئاً إلّا وله خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الربّ تبارك وتعالى يليها بنفسه وكان أبي(عليه السلام) إذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه وقبله وشمه ثم رده في يد السائل وذلك أنها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل))[1].
فقلت: الله أكبر، يا لفضل الصدقة؟
قال: نعم فقد تواترت الروايات في الحثّ عليها والترغيب فيها، فورد أنها دواء المريض، وبها يدفع البلاء ولو أُبرم ابراماً، وبها يستنزل الرزق، وبها يقضى الدين، وأنها تزيد في المال، وتدفع ميتة السوء والداء، وغيرها إلى أن عد سبعين بابا من أبواب السوء تسد بفضل الصدقة.
فقلت: ولكن رغم كل هذا الفضل للصدقة، فإن التوسعة على العيال أليس أفضل من الصدقة على غيرهم؟
قال أستاذي: نعم، كما أن الصدقة على القريب المحتاج أفضل من الصدقة على غيره وأفضل منها الصدقة على الرحم المعادي.
فقلت: على الرحم المعادي؟
قال: نعم، الرحم المعادي.
فقلت: عجبا لتعاليم ديننا الحنيف، وهل هناك أفضل من الصدقة؟
قال أستاذي: نعم، أفضل من الصدقة القرض، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: (أما القرض، فقرض درهم كصدقة درهمين، سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: هو الصدقة على الأغنياء). وعن الإمام موسى بن جعفر، عن آبائه (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر، وصلة الأخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربع وعشرين)[2].
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (48)