البدعة من البدع، بزيادة تاء الوحدة، والبَدع: (إحداثُ شيء لم يكن له من قبل خلق، ولا ذكر، ولا معرفة)[1]، هذا في كتب اللغة.
أما في الاصطلاح، فالبدعة: (هي الزيادة في الدين، أو نقصان منه، من غير إسناد إلى الدين)[2].
وفي مجمع البحرين: (البدعة: الحدثُ في الدين، وما ليس له أصل في كتاب ولا سُنّة، وإنّما سُميّت بدعة لاَنّ قائلها ابتدعها هو نفسه)[3].
أما العلاّمة المجلسي: فإنّه عرّفَ البِدعة في الاصطلاح الشرعي بأنّها: (ما حدث بعد الرسول، ولم يرد فيه نصّ على الخصوص، ولا يكون داخلاً في بعض العمومات، مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المسلمين، وإسكانهم، وإعانتهم، وكإنشاء بعض الكتب العلمية، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية)[4].
وكل العلماء متفقون على معنى الإحداث في الدين تعريفاً اصطلاحياً للبدعة، مع اختلاف في الألفاظ.
والبدعة في الدين ذنب عظيم، ومن المحرّمات الكبيرة التي يدخل الإنسان بسببها النار، ذلك أنّ المبتدع ينازع سلطان الله تبارك وتعالى في تشريع وتقنين الأحكام، واستحداث الشرائع والديانات، أو يزيد، أو ينقص في دينه، ويُشرِّع ما لم يكن فيه، سواء في الأصول والعقائد، أو في الفروع من العبادات، وهذا كله كذب وافتراء على الله.
وتظهر خطورة البدع أنها توهن الدين، وتسفّه بعض العقائد والأحكام؛ لأنها لا تستند إلى علم وحكمة، بل مصدرها الجهل والبعد عن الدين، بالتالي تكون عاملاً من عوامل الاختلاف والفرقة، تكون الأُمة الواحدة أمماً كثيرة، يبغض بعضهم بعضاً، ويكفّر بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً، فلا تجد في التأريخ مقتلة عظيمة، إلّا كانت بسبب افتتان الناس ببدعة حاكها ظالم كذاب، كان يسعى إلى فك عرى الإيمان، وتشتيت اعتصام بدين الله القويم، في حين نهى القرآن الكريم عن كل ما يفرّق المسلمين، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ اِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ اِخْوَاناً)[5].
البدعة في الكتاب:
قال الله سبحانه وتعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ اِلّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ الله فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)[6].
نقل العلامة المجلسي عن بعض المفسرين: أن الرهبانية في الآية: (هي الخصلة من العبادة يظهر فيها معنى الرهبة، إما في لبسته، أو انفراد عن الجماعة، أو غير ذلك من الأمور التي يظهر فيها نسك صاحبه، والمعنى ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم)[7].
وفي تفسير الأمثل: (لم يراعوا -يعني النصارى - أيضاً حتى حق الرهبانية التي ابتدعوها باسم الزهد، حيث وضعوا مكائد في طريق خلق الله، وجعلوا من الأديرة والكنائس مراكز لأنواع الفساد، وأوجدوا انحرافا خطيرا في رسالة السيد المسيح (عليه السلام))[8].
البدعة في الأخبار:
1- عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أتى ذا بدعة فعظّمه فإنّما يسعى في هدم الإسلام»[9].
2 ـ روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر الصادق(عليه السلام)، قال: خطب أمير المؤمنين(عليه السلام) الناس فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ، وَ أَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللهِ، يَتَوَلَّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالًا، فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ يَخْفَ عَلَى ذِي حِجًى، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ لَمْ يَكُنِ اخْتِلافٌ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ، وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ، فَيَجِيئَانِ مَعاً، فَهُنَالِكَ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الْحُسْنَى»[10].
وينبغي للمؤمنين في عصر الغيبة -مع كثرة المبتدعين للمناصب الإلهية- أن يلتزموا بالعلماء ومراجع الدين في جواب الشبهات، والرد على أهل البدع الضالة، والفرق المنحرفة، حتى لا يلتبس عليه الحق، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
مجلة اليقين العدد (32)
[1] العين، للفراهيدي: ج2، ص54.
[2] رسائل الشريف المرتضى: ج3، ص83.
[3] مجمع البحرين، للطريحي: ج1، ص163.
[4] بحار الانوار: العلامة المجلسي، ج74، ص202.
[5] آل عمران: 103.
[6] الحديد: 27.
[7] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول العلامة المجلسي: ج7، ص91.
[8] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ مكارم الشيرازي: ج18، ص82.
[9] الكافي، للكليني: ج1، ص54.
[10] الكافي، الكليني: ج1، ص55.