أصحابي كالنجوم

  عادةً ما يدور في عالم المنتديات والجلسات الخاصة والعامة وحتى في العمل نقاشات ومطارحات عقائدية وفكرية وغيرها، فحدث ذات يوم نقاش بين أستاذ شيعي وآخر سني حول قضية الإمامة.

  فقال الأستاذ الشيعي: نحن نعتقد أنّ الإمامة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي تفويض إلهي لشخص أو أشخاص معينين خلفاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في زعامة ورئاسة الدين والدنيا، فالقائم مقام النبي (صلى الله عليه وآله) يسعى نحو ترسيخ ونشر أحكام الإسلام وصيانة الشريعة المقدسة، والقضاء على شتى أنواع الفتن والمفاسد، وإقامة حدود الله، ولا يليق هذا المقام الشريف لكل أحد، سوى الذين يمتلكون القيم الإسلامية العالية، من التقوى، والجهاد والعلم والهجرة والزهد، والسيرة الحسنة، والحنكة السياسية، والعدالة والشجاعة، وسعة الصدر، وعلو الهمة، والأخلاق الفاضلة، ناهيك عن العصمة التي نعتقد بها، وهذه الفضائل لا يمتلكها سوى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبشهادة التاريخ والروايات المستفيضة من علماء الفريقين.

   الأستاذ السنّي: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، ولا خصوص للصحابي عليّ بن أبي طالب.

  الشيعي: مع غض النظر عن سند الحديث، فهو مجعول وساقط عن الاعتبار، لوجود عدّة أدلة قاطعة، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يتفوه به.
السنّي: بأيّ دليل؟

الشيعي: هناك أدلة عقلية كثيرة لنفي هذا الحديث منها:

  1- عندما يضل المسافرون طريقهم في الليل، فهناك ملايين النجوم في السماء، ولو اختاروا أياً منها حسب أهوائهم لما اهتدوا لطريقهم أبداً، فالنجوم الهادية لذلك هي نجوم خاصة، ومعروفة تتميز عن بقية النجوم، فبها يعثر المسافرون في الليل على طريقهم ويهتدوا.

  2ـ الحديث يتناقض مع عشرات الأحاديث الأخرى، مثل: (حديث الثقلين)، وحديث (الخلفاء الاثني عشر من قريش)، وحديث (عليكم بالأئمة من أهل بيتي)، وحديث (أهل بيتي كالنجوم)، وحديث السفينة: (مثل أهل بيتي كسفينة نوح...)، وحديث (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لاُمتي من الاختلاف)[1].

  فضلاً عن أنّ الحديث الذي ذكرته قد نقلته طائفة خاصة من المسلمين، أما الأحاديث المخالفة لحديثك التي ذكرتها أنا فقد نقلتها جميع طوائف المسلمين.

  3 ـ الحوادث الواقعة بين الأصحاب واختلافهم، بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) لا تتلائم مع حديثك الذي ذكرته، فارتد بعضهم، وطعن بعضهم ببعض كطعن أكثر الصحابة في خلافة عثمان الذي انتهى إلى قتله.

4 ـ كما أن حديثك لا يتلائم مع لعن بعض الصحابة بعضاً، كأمر معاوية بسب عليّ (عليه السلام) وقد قال في حقّه رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله)[2]، وكذلك لا يتلائم مع قتال الصحابة بعضهم بعضاً، كما حارب طلحة والزبير أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في حرب الجمل، ومعاوية في صفين، وكما لا يتلائم بصدور بعض الذنوب الكبيرة من الصحابة مثل الزنا وشرب الخمر والسرقة حيث أقيمت الحدود على بعضهم، أمثال (الوليد بن عقبة، والمغيرة بن شعبة...).

  فهل الاقتداء بـ«بُسر بن أرطأة» الذي كان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، والذي سفك دماء الآلاف من الابرياء من المسلمين، وهل الاقتداء بالمنافقين الذين عاصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع كثرتهم في المدينة، وهل الاقتداء بمروان بن الحكم الذي قتل طلحة، وهل الاقتداء بالحكم أبي مروان الذي كان من الأصحاب، وكان يستهزأ بالنبي (صلى الله عليه وآله)، وأمثالهم سببا للهداية؟!

  فالعمل بحديثك المذكور المختلق (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) مع ما نلمسه من الواقع الخارجي، ويحكيه التاريخ لنا أمر مضحك وغريب!!

  السنّي: المقصود من الأصحاب، هم الأصحاب الحقيقيون المخلصون للنبي (صلى الله عليه وآله)، لا المنافقون والكاذبون.

  الشيعي: إن كنت تقصد أمثال: سلمان وأبو ذر، ومقداد، وعمار دون سواهم، مع اعتبارك غيرهم، بقي الأشكال والاختلاف بيننا مستحكماً، فالولاية لأمير المؤمنين (عليه السلام) وولده من بعده لا غيرهم، فالأفضل التمسك بتلك الأحاديث التي تخلو من الإشكال، والواضحة والواردة في امامتهم وولايتهم (عليهم السلام)[3].


مجلة اليقين، العدد (48)، الصفحة (8 - 9).

 


[1] راجع المستدرك للحاكم: ج3، ص149.

[2] الأمالي للصدوق: ص157، وراجع: كنز العمّال: ج11 ص 602 ح 32903.

[3] مناظرات في العقائد والأحكام لعبد الله الحسن: ج1، ص78.