ويحتج العالم العابد الزاهد صاحب الكرامات الباهرة السيد رضي الدين علي بن طاووس (قدس سره) على أهل المذاهب الأخرى بما جرى على الزهراء (عليها السلام)، ويروي لهم رواياتهم التي أثبتوها في مصادرهم، فكان مما ألزمهم به قوله: وقد تقدم ذكر بعض ذلك من صحاحهم عند ذكر تأخرهم مع علي (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر، وعند ذكر اجتماعهم، لما أراد أبو بكر وعمر تحريق علي والعباس بالنار[1].
ويقول: ومن طرائف الأحاديث المذكورة ما ذكره الطبري، والواقدي، وصاحب الغرر، من القصد إلى بيت فاطمة، وعلي، والحسن والحسين (عليهم السلام) بالإحراق.
أين هذه الأفعال المنكرة من تلك الوصايا المتكررة من نبيهم محمد (صلى الله عليه وآله)...[2].
إلى أن قال: ومن أطرف الطرائف قصدهم لإحراق علي (عليه السلام) والعباس بالنار في قوله: فأَقبَل بقَبَس من نار على أن يضرم عليهما، وقد كان في البيت فاطمة.
وفي رواية أخرى: أنه كان معهم في البيت الزبير، والحسن، والحسين(عليهم السلام)، وجماعة من بني هاشم، لأجل تأخرهم عن بيعة أبي بكر، وطعنهم فيها.
أما ينظر أهل العقول الصحيحة من المسلمين: أن محمداً (صلى الله عليه وآله) كان أفضل الخلائق عندهم، ونبوته أهم النبوات، ومبايعته أوجب المبايعات، ومع هذا فإنه بُعث إلى قوم يعبدون الأصنام والأحجار، وغيرهم من أصناف الملحدين والكفار، وما سمعناه أنه استحل، ولا استجاز، ولا رضي أن يأمر بإحراق من تأخر عن نبوته وبيعته.
فكيف بلغت العداوة لأهل بيته والحسد لهم، والإهمال لوصيته بهم إلى أن يواجهوا ويتهددوا أن يحرقوا بالنار؟
وقد شهدت العقول أن بيعته كانت على هذه الصفات، وأن إكراه الناس عليها بخلاف الشرائع والنبوات والعادات.
ثم يذكر رواية ابن مسعود قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمررنا بقرية نمل، فأحرقت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله تعالى).
قال عبد المحمود: وكيف كان أهل بيت النبوة أهون من النمل؟! وكيف ذكروا: أنهم يعذبونهم بعذاب الله تعالى من الحريق بالنار؟! والله، إن هذه الأمور من أعظم عجائب الدهور[3].
وقال (قدس سره): ... فأما علي (عليه السلام)، فقد عرفت ما جرى عليه من الدفع عن خلافته ومنزلته، وما بلغوا إليه من القصد لإحراقه بالنار، وكسر حرمته [4].
وقال السيد ابن طاووس (قدس سره) أيضاً:
وما كفاه ذلك حتى بعث عمر إلى باب أبيكَ علي (عليه السلام) وأمكَ فاطمة (عليها السلام) وعندهما العباس وجماعة من بني هاشم، وهم مشغولون بموت جدكَ محمد (صلى الله عليه وآله) والمأتم، فأمر أن يُحرَقوا بالنار إن لم يخرجوا للبيعة، على ما ذكره صاحب كتاب العقد في الجزء الرابع منه وجماعة ممن لا يتهم في روايتهم، وهو شيء لم يبلغه إليه أحد فيما أعلم قبله ولا بعده من الأنبياء والأوصياء، ولا الملوك المعروفين بالقسوة والجفاء، ولا ملوك الكفار، أنهم بعثوا من يحرقوا الذين تأخروا عن بيعتهم بحريق النار، مضافاً إلى تهديد القتل والضرب.
أقول: ولا بلغنا أن أحد الممالك كان لهم نبي أو ملك... قد أغناهم بعد الفقر وخلصهم من الذل والضر، ودلهم على سعادة الدنيا والآخرة، وفتح عليهم بنبوته بلاد الجبابرة، ثم مات وخلّف فيهم بنتاً واحدة من ظهره، وقال لهم: (إنها سيدة نساء العالمين)، وطفلين معها منها لهما دون سبع سنين أو قريب من ذلك، فتكون مُجازاة ذلك النبي أو الملك من رعيته أنهم ينفذون ناراً ليحرقوا ولديه، ونفس ابنته، وهما في مقام روحه ومهجته[5].
وقال أيضاً وهو يحتج على الآخرين: وذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة منهم أسيد بن الحصين، وسلمة بن سلامة الأشهلي، فقال: أُخرجوا، أو لَنُحرِّقنَّها عليكم...[6].