سأل رجل السيد مصطفى مرتضى العاملي فقال له: مَنْ أفضل، فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) أم مريم بنت عمران (عليها السلام)؟
أجاب العاملي: لكلٍّ فضلها، ولِم تسأل؟
فقال الرجل: لاَنّ الله ذكر مريم(عليها السلام) في القرآن، ولم يذكر فاطمة (عليها السلام).
قال العاملي: إنّ الله قصَّ في القرآن أخبار الماضين، فذكر الأنبياء، وبعض الصلحاء، وذكر الملوك والمتمردين، وذكر من النساء الصالحات كامرأة إبراهيم(عليه السلام)، وامرأة فرعون، ومريم بنت عمران (عليها السلام)، ولم يذكر أحداً ممن كان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ ما ذكره من قصّة زيد بن حارثة مع زوجته، وذلك لحكم شرعي كان النبي (صلى الله عليه وآله) مكلَّفاً بتطبيقه عملياً بنفسه.
فقال الرجل: نعم، فلِم لم تُذكر في القرآن؟
قال العاملي: إن مريم (عليها السلام)كانت ممّن تقدّم البعثة، وفي قصّتها شُبَهٌ وأحوال غريبة، كحملها وولادتها بدون زوج، فذكرها القرآن لإزالة الشبهة عنها، بعكس فاطمة(عليها السلام) لم تكن كذلك، فاصطفى الله مريم(عليها السلام) على نساء زمانها، وأما فاطمة بنت رسول الله(عليها السلام) فكانت سيدة نساء العالمين.
فقال الرجل: ألم يقل القرآن عن مريم: ﴿واصطفاك على نساء العالمين﴾آل عمران:42، أليس إطلاق «العالمين» يدل على كون فاطمة(عليها السلام) مصطفاة على نساء زمانها أيضا، كما في مريم (عليها السلام).
فقال العاملي: هذا صحيح إن لم يكن للاصطفاء معنيين مختلفين، فإما أن يكون اصطفاء مطلقا بمعنى التسليم، أو يكون متعديا بعلى ومعناه التقديم، وعلى كلٍ إن كان تقديما فالتقديم إما من بعض الجهات، أو جميعها، فإن كان من بعض الجهات، فمريم(عليها السلام) مصطفاة على نساء العالمين لأمر خاص، وهو الشبهة الحاصلة، من جراء ولادتها للمسيح(عليه السلام)، ولولا شهادة القرآن لها بذلك لما استطاع أحد إثبات براءتها وطهارتها، وإن كان من جميع الجهات فلا مشاحة في تفضيل فاطمة(عليها السلام)، لأنّ محمدا (صلى الله عليه وآله) أشرف من أُولي العزم، ومنهم عيسى ابن مريم(عليهما السلام) فشُرّفت فاطمة(عليها السلام) لنسبها على جميع نساء الأُمم حتى على مريم(عليها السلام) التي شُرّفت بعيسى(عليه السلام)، فهي محاطة بالشرف من جميع نواحيها، أبوها(صلى الله عليه وآله)حبيب الله، وأُمّها أعانته بمالها، فالإسلام لم يقم إلا بمال خديجة(عليها السلام) وسيف علي(عليه السلام)، وزوجها سيد الوصيّين، وولداها سيداً شباب أهل الجنّة، وهي أُمّ الأَئمّة، فهي سيدة نساء العالمين، وقوله تعالى: ﴿إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيراً﴾ الأحزاب:33، دلالة على تفضيلها أيضا، فالرجس معناه كل نجاسة سواء كانت حسيّة أم معنويّة، حتى وإن كانت تهمة باطلة كما نسبت لمريم (عليها السلام) كذباً وزوراً، وفي حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): «علماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل»[1]، وفي رواية أخرى «أفضل من أنبياء بني إسرائيل»، فإذا كان العلماء في هذه الأَُمّة أفضل من الأنبياء وليس العلماء بمعصومين، فلم لا تكون فاطمة(عليها السلام) أفضل، وهي الطاهرة الزكية النقية المعصومة المتقدمة عن غيرها من النساء في جميع الجهات، فتكون بذلك سيدة نساء العالمين بدون منازع.
المصدر: مجلة اليقين، العدد (16)، الصفحة (8 - 9).