ما معنى العلامات غير الحتمية

قد يتوهّم البعض بوجود التناقض بين قولنا (علامات)، وبين قولنا (غير الحتمية).

جاء في لسان العرب مادة (علم) (العَلامة والعَلَمُ شيء يُنْصَب في الفَلَوات تهتدي به الضالَّةُ)، فبدون العلامة لا تحصل الهداية الى الهدف، ومعنى (غير الحتمية)، أنها غير واجبة الوقوع فقد تقع أو لا تقع وهذا هو وجه التناقض.

نقول هذه شبهة تعتري الذهن ظاهراً، وهي تزول وتتلاشى بالتأمل من عدة وجوه:

الأول: أن المقصود من غير الحتمية معناها أنها قد تحصل، أو لا تحصل، وكلامنا في جانب الحصول، فإن حصلت فهي علامة، وإن لم تحصل فهي قطعاً ليست كذلك، وسيتضح الأمر في الوجه الثالث أكثر.

الثاني: معنى كونها غير حتمية: أي أنها لا ينحصر الأمر بها بل بغيرها أيضاً معها أو بدونها.

الثالث: معنى غير حتمية: أنها تكون في معرض البداء، ومعنى البداء، إن الله يغير ما قدّره لمانع طارئ على وقوعها، فقد يقدّر الله تعالى أموراً بحسب ما تقتضيه طبائعها، بغضّ النظر عن الطوارئ والعوارض، مثلما يقول الإنسان: إن هذه السيارة بحسب وضعها العادي تخدم عشر سنوات، دون النظر الى أنها بعد عشرة أيام ستتعرض لحادث وتتحطم.

أو أن زيد مثلاً يعيش مئة سنة بحسب تكوينه الطبيعي وما يقتضيه قانون الحياة، دون ملاحظة أن إنساناً سيقتله وهو في سن الثلاثين، إذا ما توافرت مقدمات وظروف القتل، ودون لحاظ أنه سيعيش مئة وثلاثين سنة إذا وصل رحمه، وإذا قطع رحمه فينقص من عمره ثلاثون عاماً مثلاً.

فهناك تقديرات في لوح المحو والإثبات ـ عند الله تعالى ـ وقد يُطلِعُ الله عليه بعض رسله وملائكته أيضاً، ويقتصر على ذكر ما اقتضته القوانين والحكمة، والرسول (صلى الله عليه وآله) يخبرنا به، بتجرّد عن الموانع والعوارض المستجدة.

بعد كل هذا يتضح عدم المنافاة بين معنى كون حادثة معينة علامة على الظهور المقدس، وبين كونها علامة غير حتمية.

كما يجدر الإشارة إلى أن من العلامات غير الحتمية ما حصل مثل هلاك بني العباس، ومنها ما لا نستطيع الجزم بانها هي بالذات المقصودة في الأخبار؛ لأن بعض العلامات بطبيعتها ذات سعة زمنية، فربما تكون علامة تستمر لقرون من الأزمان الى آخر مراتبها، مثل: التبرج، وتشبه النساء بالرجال، والعكس كذلك متحقق الآن وسابقاً، ويمكن أن يستمر إلى ظهور الإمام (عليه السلام)، فهي علامة واحدة، إلّا أنها واسعة زمنياً.

وقد ذكرت الروايات بعض العلامات غير الحتمية، ككُسُوفِ الشَّمْسِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَخُسُوفِ الْقَمَرِ فِي آخِرِهِ عَلَى خِلاَفِ الْعَادَاتِ، وَخَسْفٍ بِالْبَيْدَاءِ، وَخَسْفٍ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٍ بِالْمَشْرِقِ، وَرُكُودٍ الشَّمْسِ مِنْ عِنْدِ الزَّوَالِ إِلَى أَوْسَطِ أَوْقَاتِ الْعَصْرِ، وَطُلُوعِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، وَقَتْلِ نَفْس زَكِيَّةٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ فِي سَبْعِينَ مِنَ الصَّالِحِينَ، وَذَبْحِ رَجُل هَاشِمِيّ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَهَدْمِ حَائِطِ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَإِقْبَالِ رَايَات سُود مِنْ قِبَلِ خُرَاسَان، وَظُهُورِ الْمَغْرِبِيِّ بِمِصْرَ، وَتَمَلُّكهِ الشَّامَاتِ، وَنُزُولِ التُّرْكِ الْجَزِيرَةَ، وَنُزُولِ الرُّومِ الرَّمْلَةَ، وَطُلُوعِ نَجْم بِالْمَشْرِقِ يُضِيءُ كَمَا يُضِيءُ الْقَمَرُ، ثُمَّ يَنْعَطِفُ حَتَّى يَكَادَ يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، وَحُمْرَةٍ يَظْهَرُ فِي السَّمَاءِ وَيُنْشَرُ فِي آفَاقِهَا، وَنَارٍ تَظْهَرُ بِالْمَشْرِقِ طَوِيلاً، وَتَبْقَى فِي الْجَوِّ ثَلاَثَةَ أَيَّام، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّام، وَخَلْعِ الْعَرَبِ أَعِنَّتَهَا، وَتَمَلُّكِهَا الْبِلاَدَ، وَ خُرُوجُهَا عَنْ سُلْطَانِ الْعَجَمِ[1].

المصدر: مجلة اليقين العدد (31)

 


[1]  راجع روضة الكافي للكليني: ج ٨، ص ٣٦ ـ ٤٢، وبحار الأنوار: ج٥٢، ص ٢٥٦.