جاء في مصادرنا الحديثية رواية تتحدث عن قيام الإمام الحجة (عليه السلام) بهدم الكعبة ومسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الأساس! مما جعل تلك الرواية مادة للطّعن على الشيعة وعقائدهم من قبل المتصيدين في الماء العكر، فعن أحمد بن محمد، عمن حدثه، عن محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إِنَّ الْقَائِمَ(عليه السلام) إِذَا قَامَ، رَدَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ إِلى أَسَاسِهِ، وَمَسْجِدَ الرَّسُولِ إِلى أَسَاسِهِ، وَمَسْجِدَ الْكُوفَةِ إِلى أَسَاسِه»، وَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: إِلى مَوْضِعِ التَّمَّارِينَ مِنَ الْـمَسْجِدِ[1].
إذاً كيف يقوم الإمام (عليه السلام) بهدم هذه الأماكن المقدسة عند المسلمين؟ وما المصلحة من ذلك؟ أليس الإمام (عليه السلام) هو المنتظر لإقامة العدل والدين؟ فهل هذا العمل من الدين؟
ومن الصعب على الإنسان غير المتعلم أن يتعامل مع هذه الرواية بطريقة واضحة إلا أن يستعين بأهل الاختصاص في الروايات وأخبار أهل البيت (عليه السلام)، ونحن ننقل ما تحدث به أهل العلم بهذا الخصوص حتى يتبين الحق في هذه الرواية.
والرواية لها جهتان:
الجهة الأولى: سندية، أي: أن الرواية ضعيفة السند؛ كونها مرسلة، كما أن محمد بن الحسين المذكور في السند غير معروف.
وقد روى هذه الرواية الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة: ص 282)، عن الفضل بن شاذان، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير.
وهو أيضاً بطريقه ضعيف حيث ورد في سنده علي بن أبي حمزة، وهو واقفي، قال عنه علي بن الحسن بن فضال: (علي بن أبي حمزة، واقفي متّهم، وقد رويتُ عنه أحاديث كثيرة، وكتبتُ عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً)[2].
وهذا الخبر رواه أيضاً المجلسي قدّس سرّه عن كتاب الإرشاد للمفيد، والمفيد رواه مرسلاً عن أبي بصير[3].
إذاً بالنسبة لسند الخبر على تعدّد الرواة فإنه ضعيف لا تقوم به الحجّة، فلا يصح الاحتجاج به، ولا التعويل على مضمونه.
الجهة الثانية:
وإذا غضضنا الطرف عن السند وفرضنا كونه صحيحاً، فيمكن حمل الرواية على معنى يستقيم مع الدين واحترام وإكرام المقدسات المذكورة، فنقول: إن هدم المسجد إلى أساسهما غير جائز طبعاً لأحد من الناس، خصوصاً إذا كان الغرض هو نفس الهدم والتعرّض لقداسة المكان، أمّا إذا كان هذا الفعل قد صدر عن المعصوم(عليه السلام) فهو أعرف بما يجوز له وما لا يجوز، بل نحن نعرف الحقّ والعَدْل من فعله (عليه السلام)، فإذا بنى أو هدَمَ مسجداً أو داراً إلى أساسها فلا ينبغي لنا أن نشكّ في صحّة فعله، وكونه مرضيًّا عند الله سبحانه، وإلا لما كان المهدي(عليه السلام) هو المرجوّ لإقامة الدين، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.
كما يمكن القول يحتمل أن يكون الوجه في هدم المسجدين إلى أساسهما ـ على فرض صحَّة الحديث ـ هو أن بعض نواحي المسجدين كانت قد بنيت من قبل سلاطين الجور؛ لأغراض سياسية وطائفية، أو قد تكون بنيت من مال حرام أو مغصوب، أو أن الإمام (عليه السلام) يريد بذلك أن يمحو آثار الظالمين وسلاطين الجور؛ حتى لا يبقى لهم ذِكْر يغرّرون به الناس أنهم على خير وصلاح، أو لغير ذلك.
ونشير أيضاً إلى أن هدم الكعبة وإعادة بنائها ـ ربما للاحتمالات التي ذكرناها ـ قد ورد في بعض مصادر المسلمين أنه كان من مرادات النبي (صلى الله عليه وآله)، ولكن منعه من ذلك أن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام.
فقد أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد الله بن الزبير أنه قال: حدثتني خالتي (يعني عائشة) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا عائشة لولا أنّ قومك حديثو عهد بِشِرْكٍ لهدمتُ الكعبة، فألزقتُها بالأرض، وجعلتُ لها بابين: باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدتُ فيها ستة أذرع من الحِجْر، فإن قريشاً اقتصرتْها حيث بَنَت الكعبة»[4].
فلو كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد فعل ذلك فإنه لا يمكن أن ننسبه إلى الخطأ والتفصّي عن إكرام الكعبة.
المصدر: مجلة اليقين العدد (58)