حديث المنزلة وغزوة تبوك

اتفق المسلمون علی أنّ قول النبي(صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين(عليه السلام): «یا عليّ! أَما تَرضى أن تَكونَ أخي وأنَا أخوكَ، بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ من مُوسَى، إلّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» كان وساماً حباه به عن الجهاد، فإنه(عليه السلام) لم يشارك بغزوة تبوك (9هـ)؛ لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) أمره أن یبقی في المدینة، علماً منه بما ينوي المنافقون من العبث والفساد في المدينة.

ولزرع الفتنة قال المنافقون إنّه(صلى الله عليه وآله) خلّف ابن عمّه تثاقلاً منه، فأخمد النبي(صلى الله عليه وآله) هذه الفتنة وقال: «کذب المنافقون یا عليّ! أَما ترضی أن تکون أخي وأنا أخوك، بمنزلة هارون من موسی، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»[1].

هكذا تكلّم الذي (لا ينطق عن الهوى) ليهدم الشبهات، ويقرر الترجيح بين الأعمال، وأنّ طاعة الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) أولى وأفضل وأوفى من الجهاد وبقيّة الأعمال، فسلوك المصطفى الأحمد(صلى الله عليه وآله) مع المرتضى الرضَي(عليه السلام) طيلة حياته لا يرشدنا إلا أن يختار له أمراً، وثمّة أمر أولى منه بالأجر والثواب والمنزلة.

بل يجمع له ثواب وجزاء الأمرين، وليس ذلك على الله ولا على النبي(صلى الله عليه وآله) بعسير.

فمن حيث هو أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) هو واجب الامتثال والطاعة.

ومن حيث إنّه كلّفه بحفظ المدينة، وهو من صنف الجهاد في سبيل الله، بل ربما أكثر أهمية ومنفعة للدين والمسلمين من جهاد السيف خارج المدينة.

ثمّ إنّه(صلى الله عليه وآله) أنزله جميع منازله، ووهبه جميع مقاماته، كما كان هارون من موسى(عليه السلام) سوى النبوة.

فأين الجهاد من هذه المقامات النبوية.

وليس معنى هذا الكلام أنّ منزلة الجهاد منزلة دنيا أو ضعيفة عند الله تعالى، كيف والله تعالى يقول: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْج فَضَّلَ الله الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً)[2]، لكن معنى الكلام أنّ منزلة الجهاد ناشئة من طاعة الله ورسوله(صلى الله عليه وآله)، وعندما يأمر النبي(صلى الله عليه وآله) أحد المسلمين بوظيفة أُخرى في وقت الجهاد، معنى ذلك أنّ هذا المأمور ليس وظيفته الجهاد حالياً، بل وظيفته طاعة أمر النبي(صلى الله عليه وآله)، وبهذا المناط تكون وظيفته أعلى من رتبة الجهاد في حقّه.

مجلة ولاء الشباب العدد (59)

 


[1] ينظر: تفسير القمي، القمي: ج 1، ص 292.

[2] النساء: 95.