يتبادر إلى المسلمين من أهل العامة وبحسب رواياتهم -كرواية الحلبي في سيرته ج3، ص493، وروضة الواعظين للنيسابوري ص490، وغيره-، أن الإنسان يدفن في التربة التي خلق منها، لذا شبه لهم: (لأن أبا بكر وعمر مدفونان في الأرض التي دفن فيها النبي(صلى الله عليه وآله) التي قال عنها: ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة. فهما على هذا الأساس مخلوقان من تلك التربة التي دفنا فيها فيكونا من أهل الجنة).
ورداً على هذه الشبهة نقول: (زعم بعض العلماء أن الأمة الإسلامية أجمعت على أن البقعة التي دفن فيها رسول الله(صلى الله عليه وآله) هي أفضل البقاع، ونازع البعض الآخر في تحقق الأفضلية أولاً، وفي دعوى الإجماع ثانياً)[1].
وكلام من قال بالتفضيل مختص بالبقعة التي حوت جسد النبي الطاهر(صلى الله عليه وآله)، ولا تشمل ما جاورها من قبره الشريف أو المسجد، وعليه فلا تشمل قبر أبي بكر وعمر ليجري الكلام في أنها في الروضة، لأن قبريهما في الجهة الثانية وليسا في البقة التي حوت جسد النبي الطاهر(صلى الله عليه وآله)، والتي هي بين القبر والمنبر.
ويجب ملاحظة أن المدح في قوله(صلى الله عليه وآله): «ما بين قبري ومنبري..»؛ كان للبقعة وليس لمن يكون فيها، ولم يروِ أحد من المسلمين أن التفضيل يسري من هذه البقعة إلى الذي يدفن فيها أو حتى إلى من يجلس عليها! ولو كان كذلك لصح للفاسق أن يجلس عليها ويقول أنا أفضل الناس لأني في روضة من رياض الجنة.
ومن قال أنّ هناك حديث قريب من هذا المعنى عند الخاصة في الكافي (ج3، ص202)، أن: «مَنْ خُلِقَ مِنْ تُرْبَةٍ دُفِنَ فِيهَا».
فنجيبه أن معناه ليس كما ذهب العامة، بل يقصد به عند الخاصة أن الذرة الأصلية التي خلق منها الإنسان تؤخذ من بدنه عند موته وتدفن في مكانها الذي أخذت منه، والدليل عليه ما روي في الكافي أيضا: ج3، ص251، عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه سئل عن الميت يبلى جسده؟ قال(عليه السلام): «نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى، تبقى في القبر مستديرة حتى يُخلق منها كما خلق أول مرة».
وعليه ترد دعوى العامة لأن معناها عند الخاصة أن التربة التي خلق منها أبو بكر وعمر قد ردت يوم موتهما إلى موضعها الذي خلقت منه في الخلق الأول الذي يعلمه الله تعالى، ولا علاقة لذلك بمدفنهما قرب قبر النبي(صلى الله عليه وآله) أو في مكان آخر!
المصدر: مجلة اليقين، العدد (63)، الصفحة (10).