قال تعالى:(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[1].
القرآن يحث على الاستعانة بالصبر والصلاة للتغلب على الأهواء الشخصية والميول النفسية، فيقول تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) ثم يؤكد أن هذه الاستعانة ثقيلة لا ينهض بعبئها إلا الخاشعون: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ).
وفي الآية التالية وصف للخاشعين: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).
كلمة يظنون من مادة ظن وقد تأتي بمعنى اليقين، وفي هذا الموضع تعني الإيمان واليقين القطعي؛ لأن الإيمان بلقاء الله والرجوع إليه، يحيي في قلب الإنسان حالة الخشوع والخشية والإحساس بالمسؤولية، وهذا أحد آثار تربية الإنسان على الإيمان بالمعاد، حيث تجعل هذه التربية الفرد ماثلا دوماً أمام مشهد المحكمة الكبرى، وتدفعه إلى النهوض بالمسؤولية وإلى الحق والعدل.
ويحتمل أن يكون استعمال الظن في الآية للتأكيد، أي أن الإنسان لو ظن بالآخرة فقط فظنه كاف لأن يصدّه عن ارتكاب أي ذنب؛ لأن الذين يمتلكون إيمانا باليوم الآخر حتى على مستوى الظن يحسّون بالمسؤولية[2].
ثمة منطلقان أساسيان للتغلب على الصعاب والمشاكل، أحدهما داخلي، والآخر خارجي.
أشارت الآية إلى هذين المنطلقين بعبارة الصبر والصلاة. فالصبر هو حالة الصمود والاستقامة والثبات في مواجهة المشاكل، والصلاة هي وسيلة الارتباط بالله حيث السند القوي المكين.
كلمة الصبر فسرت في روايات كثيرة بالصوم، لكنها لا تنحصر به حتما، بل الصوم أحد المصاديق الواضحة البارزة للصبر؛ لأن الإنسان يحصل في ظل هذه العبادة الكبرى على الإرادة القوية والإيمان الراسخ والقدرة على التحكم في الميول والرغبات.
روى بعض المفسرين في تفسير هذه الآية: أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا أحزنه أمر استعان بالصلاة والصوم[3].
وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) أنه قال: (ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل المسجد فيركع ركعتين يدعو الله فيهما، أما سمعت الله تعالى يقول: واستعينوا بالصبر والصلاة)[4].
التوجه إلى الصلاة والتضرع إلى الله سبحانه يمنح الإنسان طاقة جديدة تجعله قادرا على مواجهة المشاكل.
وفي كتاب الكافي عن الصادق(عليه السلام): (كَانَ عَلِيٌّ(عليه السلام) إِذَا هَالَه شَيْءٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ تَلَا هَذِه الآيَةَ: (واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ))[5].
نعم، الصلاة تربط الإنسان بالقدرة اللامتناهية التي لا يقهرها شيء. وهذا الإحساس يبعث في الإنسان قوة وشهامة على تحدي المشاكل والصعاب.
ما هو لقاء الله؟
عبارة لقاء الله وردت مرارا في القرآن الكريم، وتعني بأجمعها الحضور على مسرح القيامة. من البديهي أن المقصود بلقاء الله ليس هو اللقاء الحسي، كلقاء أفراد البشر مع بعضهم، لأن الله ليس بجسم، ولا يحده مكان، ولا يرى بالعين. بل المقصود مشاهدة آثار قدرة الله وجزائه وعقابه ونعمه وعذابه على ساحة القيامة، كما ذهب إلى ذلك جمع من المفسرين.
أو إن المقصود الشهود الباطني والقلبي، لأن الإنسان يصل درجة كأنه يرى الله ببصيرته أمامه، بحيث لا يبقى في نفسه أي شك وترديد.
هذه الحالة قد تحصل للأفراد نتيجة الطهر والتقوى والعبادة وتهذيب النفس في هذه الدنيا. وفي نهج البلاغة نقرأ: أن ذعلب اليماني وهو من فضلاء أصحاب الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، سأل عليا هل رأيت ربك؟
أجابه علي (عليه السلام): أفأعبد ما لا أرى؟!
وحين طلب ذعلب مزيدا من التوضيح قال الإمام (عليه السلام):
لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان[6].
هذا الشهود الباطني ينجلي للجميع يوم القيامة، ولا يبقى أحد إلا وقد آمن إيمانا قاطعا، لوضوح آثار عظمة الله وقدرته في ذلك اليوم[7].
مجلة بيوت المتقين العدد (53)