الوباء والعقيدة

عندما ابتلى الله تعالى الناس في جميع أنحاء العالم بوباء فيروس كورونا، اختلف الناس في تعاملهم مع الحالة الوبائية، فمنهم مَنْ ركن إلى علمه وعقله، وحمل تصريحات أهل الاختصاص محمل الجد، ورتّب عليها الآثار اللازمة من الوقاية وتجنّب مواطن احتمال الإصابة أو العدوى.

ومنهم مَنْ تبع جهله وأنكر أصل الموضوع وخالف الواقع المحلي والعالمي من أعداد المرضى والموتى المتزايدة.

ومنهم مَنْ صار رأيه إلى ربط المسألة بالعقيدة، فهو غير منكر لوجود الوباء، لكنّه يُضعِف احتمال الإصابة اعتماداً على وجود أهل البيت (عليهم السلام) وبركاتهم وكونهم أماناً لشيعتهم، فسلك مع الوباء سلوك عدم وجوده بهذا المعنى.

ومن هذا القسم بعض الناس فوجئوا بإصابتهم أو إصابة ذويهم، ووقف على واقعهم، فصار يذكر الأئمّة(عليهم السلام) باللوم والعتب، أنهّم لم يكونوا عوناً لشيعتهم، وبعض الأطراف البعيدة استغلت هذه الفرصة لتُنكر رعاية أهل البيت(عليهم السلام)، وتُشنّع على الشيعة آثار ولائهم ومحبتهم، وتُنكر كرامات أئمّتهم(عليهم السلام)، خصوصاً بعد انقطاع زيارات المؤمنين للمراقد المطهّرة.

إنّ العقول التي تفكّر بهذا المستوى من التفكير تحتاج إلى معرفة وعلم يمكنهم من الربط بين الأفكار الكثيرة التي تحكم حياتهم، وبخصوص هذا الموضوع نوضّح بعض الأمور:

أولاً: إنّ بركات المعصومين(عليهم السلام) في عقيدة الشيعة موجودةٌ ودائمة، في حال حياتهم ومماتهم، فهي كرامة فضّلهم الله بها، ومنها بركةُ الشفاءِ بالتربةِ الحسينية فهو أمر ثابت بأخبارهم (عليهم السلام).

ثانياً: لا يوجد عندنا دليل على أنَّ تلك البركةَ محصورة في شبابيكِ المرقدِ أو حيطانِه حتى تكونَ ملامستها فقط هي الموجب للبركة والفضل، كما لم يدل دليل على أنَّ كراماتهم(عليهم السلام) بالشفاء وغير الشفاء يحصَلُ بمجردِ الزيارة أو مجرّد تناول شيء من تربة الحسين(عليه السلام)، بل يحصل ذلك ضمن شروط وضوابط ذكرَها العلماءُ في كتبهم، مثل أن يكونَ المستحق للكرامة مؤمناً وعارفاً بقدر أهل البيت(عليهم السلام) وحقِّهم، وهذا الأمر ورد في حديث عن مولانا الصادق(عليه السلام) إذا قالَ: «وإنَّ مَريضاً مِنَ المُؤمِنينَ يَعرِفُ حَقَّ أبي عَبدِ اللهِ الحُسَينِ(عليه السلام) وحُرمَتَهُ ووِلايَتَهُ، أُخِذَ لَهُ مِن طينِ قَبرِ الحُسَينِ(عليه السلام) مِثلُ رَأسِ الأَنمُلَةِ كانَ لَهُ دَواءً»[1].   

نقول: لا ينافي تلك البركة والكرامة والفضل دعوات أهل الاختصاص الطبي التي تنصح الناس وتوجّههم بتقليلِ التجمعات في المراقد أو ترك ملامسة أو تقبيل الشبابيك فيها ونحو ذلك؛ لأنّها أمور احترازية يفرضها العقلُ والشَّرعُ.

ثالثاً: من باب آخر أقصد من الجانب الفقهي، إنّ زيارةَ المراقدِ الشريفة للأئمّة (عليهم السلام) هي أمر مستحب، والأمرُ المستحبُ إذا زاحمَهُ الواجبُ (كحفظ النفس من التلف عند وجود عدو يمنع الزيارة بقتل ونحوه أو وباء خطره مؤكّد) يُقدَّمُ الثاني على الأوّل، هذا من حيث الحكم الأوّلي في الموضوع.

نعم، قد تدخل عناوين ثانوية يتغيّر فيها الحكم المذكور، كما لو كان الدافع لمنع الزيارة وتهديد العدو بالقتل غايته درس الشعائر أو إهانة المذهب ونحو ذلك، فهنا تتقدّمُ الزيارة على حفظ النفس، كما هو الحال في كلّ تزاحم يكون ملاكه أهم، والعنوان الثانوي غير متصوّر في مقامنا، لعموم البلاء بالوباء، فيكون الالتزامُ بما تقرّره الجهات المختصّة فيما يتعلّق بحفظ النفس ملزم للجميع.

رابعاً: إنّ كرامات الأئمّة(عليهم السلام) في شفاء بعض الناس وتغيير أحوالهم ليست واجبة عليهم(عليهم السلام) بمعنى عدم التخلّف، كدواء وجع الرأس والصداع، وإنّما هو كالدعاء متوقف على إذنه تعالى بذلك، وربما لا تكون ثمة مصلحة في الشفاء أو قضاء حاجة أخرى، فلا يستجيب تعالى للعبد آنذاك لعلمه بعدم المصلحة، أو وجود مفسدة مترتبة على ذلك، والمؤمن يعتقد ويجزم أن لا يأتي من الله إلّا الخير والمصالح، ومَنْ يعتقد بغير ذلك فهو ناقص الإيمان بعيد عن المنهج الإسلامي الصحيح، بل إنّ الشرور تنتج من العبد نفسه، كيف وهو القائل جلّ شأنه: (ما أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ * وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ)[2].

وهو القائل سبحانه: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[3].

مجلة اليقين العدد (55)

 


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج10، ص415.

[2] النساء: 79.

[3] آل عمران: 165.