ألقابها وكناها (عليها السلام):
فاطمة بنت خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، ومن ألقابها الصديقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والرضية، والمرضية، والمحدثة، والزهراء. وتكنى بأم الحسن، وأم الحسين، وأم الأئمة، وأم أبيها.
أمها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ولدت فاطمة (عليها السلام) بعد مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) بخمس سنين في العشرين من جمادى الثانية.
صفتها (عليها السلام):
تصف لنا الروايات أن الزهراء (عليها السلام) كانت أشبه الناس بأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى في مشيتها وسكناتها وحركاتها ومنطقها وكانت نحيفة الجسد ومشرقة الوجه.
مناقبها (عليها السلام):
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): (هل تدري لم سُميت فاطمة؟ قال علي: لم سميت فاطمة يا رسول الله؟ قال: لأنها فُطمت هي وشيعتها من النار)[1] وعنه (صلى الله عليه وآله): (فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن غاظها فقد غاظني ومن سرّها فقد سرّني)[2].
وعنه (صلى الله عليه وآله): (إذا كان يوم القيامة نادى المنادي: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله))[3].
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (إنما سميت فاطمة محدثة، لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول: يا فاطمة إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين...)[4].
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لفاطمة ولعلي والحسن والحسين (عليه السلام): (أنا حَرب لمن حاربكم وسِلم لمن سالمكم)[5].
من كرامات الزهراء (عليها السلام):
روي أن أبا ذر قال: بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدعو عليا فأتيت بيته فناديته فلم يجبني أحد والرحى تطحن وليس معها أحد، فناديته فخرج معي وأصغى إليه رسول الله، فقال له شيئا لم أفهمه، فقلت: عجبا مِن رحى في بيت علي تدور وليس معها أحد، قال: (إن ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانا ويقينا، وإن الله علم ضعفها فأعانها على دهرها وكفاها، أما علمت أن لله ملائكة موكلين بمعونة آل محمد (صلى الله عليه وآله) )[6].
قال ابن حماد:
وقـالت أم أيمن جئت يوما
إلى الزهراء في وقت الهجيـر
فلمــا أن دنوت سمعت صوتا
وطحنا في الرحاء مع الهديــر
فجئت الباب أقرعه مليا
فما من سامع أو من مجير
إذ الزهراء نـائمة سكوت
وطحن للرحاء بلا مديـر
فجئت المصطفى فقصصت شاني
وما عاينت من أمر ذعور
فقال المصطفى شكرا لربي
باتمام الحيـاء لها جدير
رآها الله متعبة فألقى
عليها النــوم ذو المن الكبيـر
ووكل بالرحى ملكـا مديـرا
قعدت وقـد ملئت من السرور
محن الزهراء (عليها السلام):
عاشت الصّديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) المحنة تلو المحنة طبقاً لسنة الله تعالى في الابتلاء، فالله سبحانه وتعالى يبتلي عباده الصالحين بالمحن، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل)[7].
فقد عاشت ممتحنة منذ صغرها حينما رأت اشتداد هجمة المشركين على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد فقدان حاميه أبي طالب وفقدان أمّها خديجة الكبرى، بعد الحصار والمقاطعة الشاملة في شعب أبي طالب وهي طفلة صغيرة، حتى بلغ الجهد بالمحاصرين أنه كان يسمع أصوات النساء والصبيان يصرخون من شدة ألم الجوع، حتى اضطروا إلى التقوت بأوراق الشجر، وقد ظلت المأساة البشرية طيلة ثلاثة أعوام كاملة، ثلاث سنوات من الظلم والقهر والإبادة الجماعية.
وعاشت محنة الأذى والملاحقة التي تعرّض لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المرحلة المكية، وعاشت بعد ذلك مع والدها وزوجها في المدينة وهو يجاهد كفّار قريش ومشركي أهل الكتاب، وعاشت في ظروف تآمر المنافقين على والدها وزوجها، وبقيت تواجه المحن واحدة تلو الأخرى، حتى عاشت محنة التمرد على أوامر وتوجيهات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فحينما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصحابه بتجهيز جيش اسامة، طعن بعضهم بهذا الأمر، ثم تخلفوا عن الالتحاق بجيشه حتى غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: (جهّزوا جيش إسامة، لعن الله من تخلّف عنه)[8].
وعاشت محنة اتهام رسول الله بالهجر، وعصيانه في كتابة الكتاب الذي يحصّنهم من الضلالة الأبدية، وهي محنة ليست بالهيّنة، ففي مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي توفي فيه بعد اشتداد وجعه قال: (هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده)[9].
فتنازعوا وقال الثاني (هجر رسول الله)[10].
وفي رواية قال عمر بن الخطاب: (إنّ النبي غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط فلما أكثروا اللّغط واللّغو والاختلاف غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس يقول إن الرزيئة كل الرزيئة ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين كتابه)[11].
وبدأت الأحزان تنتابها (عليها السلام) بعد أن أحست بدنو أجل والدها (صلى الله عليه وآله)، فقد روي أنه (صلى الله عليه وآله) قال لها: (إنّ جبرئيل (عليه السلام) كان يعارضني بالقرآن في كلّ عام مرّة، وأنه عارضني به العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي، وأنّك أوّل أهل بيتي لحوقاً بي، ونعم السلف أنا لك... ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه المؤمنين)[12].
وبرحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقدت الزهراء (عليها السلام) والدها الذي يمثل الرسالة، فكان رحيله أشد وطأة عليها فانتابتها الأحزان، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (ما رؤيَتْ فاطمة ضاحكة قط منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قبضت)[13]
وحينما انشغل أمير المؤمنين (عليه السلام) وبنو هاشم ومعهم بعض الصحابة بتجهيز جثمان النبي (صلى الله عليه وآله) تسارع جمع من المهاجرين والأنصار الى سقيفة بني ساعدة، وتنافسوا على الخلافة وتمخض الصراع على اختيار أبي بكر خليفة.
وروى الزبير بن بكار عن محمد بن إسحاق: ... وكان عامّة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكّون أن عليا (عليه السلام) هو صاحب الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) [14].
الرسول ومظلومية الزهراء (عليها السلام):
روى الشيخ الطوسي بسند معتبر عن ابن عباس أنه قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة بكى حتى بلّت دموعُه لحيتَه فقيل له: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: (أبكي لذريتي، وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأنّي بفاطمة ابنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي: يا أبتاه، يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي).
فسمعت ذلك فاطمة (عليها السلام) فبكت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا تبكي يا بنية، فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله، فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي فإنك أول من يلحق بي من أهل بيتي)[15].
البكاؤون الخمسة:
روى ابن بابويه بسند معتبر عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنه قال: (البكاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين (عليهم السلام) ... الى أن قال: أما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر - مقابر الشهداء - فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف)[16].
وصية الزهراء (عليها السلام):
روي في كتاب روضة الواعظين وغيره أنه: مرضت (عليها السلام) مرضاً شديداً ومكثت أربعين ليلة في مرضها، فلما نعيت إليها نفسها، دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس، ووجهت خلف علي (عليه السلام) وأحضرته فأوصته بعدة وصايا ثم قالت له: أوصيك يابن عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة صوروا صورته، فقال لها: صفيه إليّ، فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذلك.
ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فأنهم أعدائي وأعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن لا يصلي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار.[17]
جنازة وظلامة:
اجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون أن تخرج الجنازة فيصلّون عليها فخرج أبو ذر فقال: انصرفوا فإن ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أُخِّر إخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا، فلما أن هدأت العيون ومضى من الليل، أخرجها علي والحسن والحسين (عليهم السلام) وعمار والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة، ونفر من بني هاشم وخواصه، صلوا عليها ودفنوها في جوف الليل وسوّى أمير المؤمنين (عليه السلام) حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها، وقيل: أربعين قبراً كما في رواية.
أمير المؤمنين (عليه السلام) وفراق الزهراء (عليها السلام):
تولّى أمير المؤمنين (عليه السلام) دفن الزهراء (عليها السلام) ليلاً وعفّى قبرها، منفِّذا بذلك وصيتها (عليها السلام)، فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: (السلام عليك يا رسول الله مني، والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار لها الله سرعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلا أن في التأسي لي بسنَّتك والحزن الذي حل بي بفراقك موضع التعزي، فلقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، لقد استُرجِعت الوديعة، وأُخِذت الرهينة، واختُلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله! أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو.
والمتأمل في خطاب أمير المؤمنين (عليه السلام) -الفقرة الآتية- مع النبي (صلى الله عليه وآله) بعد دفن الزهراء (عليها السلام) يعرف عظم ما جرى عليها حيث قال: (وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها حقها، فاحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا وستقول، ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام عليك يا رسول الله سلام مودع، لا سئم ولا قال، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، وللبثت عنده معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهتضم حقها قهرا، وتمنع إرثها جهرا، ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته)[18].
ونقل العلامة المجلسي في بحار الأنوار مروياً عن الإمام الصادق، عن آبائه الكرام (عليهم السلام): أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما وضع فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في القبر قال: (بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله محمد بن عبد الله سلمتك أيتها الصديقة إلى من هو أولى بك مني ورضيت لك بما رضي الله تعالى لك، ثم قرء: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)[19]
فلما دفنها أمر برش الماء على القبر ثم جلس عنده بقلب كئيب حزين وعين دامعة فجاء إليه عمه العباس فأخذ بيده ونحاه عن القبر، فسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية.
من أقوال الزهراء (عليها السلام):
قولها (عليها السلام) في وصف الله جل جلاله: (إبتدعَ الأشياء لا من شيءٍ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاءِ أمثلةٍ إمتثلها، كوّنها بقُدرتهِ، وذَرأها بمشيّته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبداً لبريته، وإعزازاً لدعوتهِ).
قولها (عليها السلام) في وصف القرآن: (أُمورُهُ ظاهرةٌ، وأحكامُهُ زاهِرةٌ، وأعلامُهُ باهِرَةٌ، وزواجرُهُ لائِحةٌ، وأوامرُهُ واضحَةٌ).
قولها (عليها السلام) في وصف أبيها: (إبتعثهُ اللهُ إتماماً لأمرِهِ، وعزيمةً على إمضاءِ حُكمِهِ، وإنفاذاً لِمقاديرِ رحمتِهِ).
قولها (عليها السلام) في فضل زوجها: (إن السعيد كُلَّ السّعيدِ حقّ السّعيدِ، من أحَبّ عَلِياً في حَياتِهِ وبعدَ مَوتِهِ).
قولها (عليها السلام) في التعريف بأهل البيت (عليهم السلام): (نحنُ وسيلَتُهُ في خلقِهِ، ونحنُ خاصّتُهُ، وَمَحَلُ قُدسِهِ، ونحنُ حُجّتُهُ في غَيبِهِ، ونحنُ ورثَةُ أنبِيائِهِ).
قولها (عليها السلام) في وصف الشيعة: (إن كُنت تعمَلُ بِما أمرناك، وتنتَهي عمّا زجرناك عنهُ، فَأَنت مِن شيعَتِنا، وَإلا فَلا).
قولها (عليها السلام) في أدب الصائم: (ما يصنَعُ الصّائِمُ بِصيامِهِ، إذا لَم يَصُن لِسانَهُ وَسَمعَهُ وبَصَرَهُ وَجَوارِحَهُ).
قولها (عليها السلام) في شرار الأمة: (شرار أمتي الذين غدوا بالنعيم، الذين يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام).
لتحميل الملف اضغط هنا
[1] بحار الأنوار: ج43، ص15.
[2] بحار الأنوار: ج27، ص62.
[3] بحار الأنوار: ج43، ص220.
[4] بحار الأنوار: ج14، ص206.
[5] بحار الأنوار: ج22، ص286.
[6] بحار الأنوار: ج43، ص29.
[7] وسائل الشيعة: ج3، ص262.
[8] بحار الأنوار: ج30، ص432.
[9] البخاري: ج5، ص137.
[10] مسند أحمد: ج1، ص355.
[11] البخاري: ج1، ص37.
[12] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص136.
[13] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص119.
[14] بحار الأنوار: ج28، ص352.
[15]الأمالي: ص188.
[16] الخصال: ص272.
[17] روضة الواعظين للنيسابوري: ص151.
[18] الكافي ج1 ص459.
[19] بحار الأنوار: ج79، ص28.