يتبادر الى الذهن بعض المسائل التي لا تكون فيها صورة واضحة وثابتة، ربما بسبب خروجها عن اختيارنا وتكليفنا، لكن ذلك لا يمنع من استنطاق بعض الآيات والروايات للبحث فيها، فقد تكون فيها ثمرة تنفعنا ولو على مستوى التصور والعلم.
ومن تلك المسائل مسألة الأطفال الذين يدركهم الموت و هم دون مرحلة البلوغ و التكليف الشرعي، فإن الموقف الشرعي هو أن الحساب يكون مرفوعاً عنهم ما داموا دون سن البلوغ، وعليه فلا ثواب ولا عقاب؛ لأن ذلك فرع التكليف، ولا تكليف عليهم في عالم الدنيا قبل البلوغ حتى يحاسبوا بعد موتهم؛ وذلك لِما رُوِيَ عَنْ عَلِي (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَ عَنِ الطِّفْلِ حَتَّى يَحْتَلِم»[1].
و من هذه الروايات ما تصرّح بانّ هؤلاء الأطفال يحضنهم النبي إبراهيم (عليه السلام) و تربّيهم زوجته سارة (عليها السلام)، فقد رُوِيَ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)
أنَّهُ قَالَ: "إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين يغذوانهم بشجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر في قصر من درة، فإذا كان يوم القيامة ألبسوا وطيبوا واهدوا إلى آبائهم، فهم ملوك في الجنة مع آبائهم وهو قول الله عزوجل: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ...)[2].
وبالمضمون نفسه ورد في أمالي الشيخ الصدوق ص535 في حديث عن معراج النبي (صلى الله عليه وآله) قال:«... ثم صعد إلى السماء، فلما انتهى إلى باب السماء استفتح جبرئيل (عليه السلام)، فقالوا: من هذا؟ قال: محمد، قالوا: نعم المجيء جاء، فدخل فما مرّ على ملأ من الملائكة إلا سلّموا عليه ودعوا له، وشيّعه مقربوها، فمرّ على شيخ قاعد تحت شجرة وحوله أطفال، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من هذا الشيخ يا جبرئيل؟ قال : هذا أبوك إبراهيم. قال: فما هؤلاء الأطفال حوله؟ قال: هؤلاء أطفال المؤمنين حوله يغذوهم».
ومنها ما تؤكّد بأنّ هذه التربية و الحضانة تكون بيد مولاتنا السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقد رَوى أبو بصير عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنَّهُ قالَ: «ِاذَا مَاتَ طِفْلٌ مِنْ أَطْفَالِ الْمُؤْمِنِينَ نَادَى مُنَادٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَدْ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ مَاتَ وَالِدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دُفِعَ إِلَيْهِ يَغْذُوهُ، وَ إِلَّا دُفِعَ إِلَى فَاطِمَةَ (عليها السلام) تَغْذُوهُ حَتَّى يَقْدَمَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِهِ فَتَدْفَعُهُ إِلَيْهِ»[3].
ويمكن الجمع بين الخبرين بأن بعضهم تربيه فاطمة (عليها السلام)، وبعضهم إبراهيم وسارة Cعلى اختلاف مراتب آبائهم، أو تدفعه فاطمة (عليها السلام) إليهما.
وبعد هذا البيان لحال أطفال المؤمنين يوم القيامة أو في عالم البرزخ، نتحدث عن مسألة مهمّة تتعلق بالأطفال أيضاً، وهي مسألة شفاعة الأطفال لوالديهم يوم القيامة، وهو أمر مشهور عندنا، والأطفال أحد شفعائنا يوم القيامة عند موتهم قبل التكليف، تعويضاً منه تعالى على آلام المصائب بفقدهم.
والروايات كثيرة في هذه المسألة منها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «النفساء يجرّها ولدها يوم القيامة بسرره إلى الجنّة»[4].
والنفساء المرأة إذا ولدت، والسرر بفتح السين وكسرها ما تقطعه القابلة من سرّة المولود التي هي موضع القطع وما بقي بعد القطع فهو السرّة، وكان يريد الولد الذي لم تُقطع سرّته.
روي أنّ رجلاً كان يجيء بصبيٍّ له معه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه مات فاحتبس والده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأل عنه، فقالوا: مات صبيه الذي رأيته معه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هلا آذنتموني فقوموا إلى أخينا نعزّيه؟.. فلمّا دخل عليه إذا الرجل حزينٌ وبه كآبةٌ فعزّاه، فقال: يا رسول الله !.. كنت أرجوه لكبر سني وضعفي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما يسرُّك أن يكون يوم القيامة بإزائك، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: (يا رب وأبواي؟!.. فلا يزال يشفع حتى يشفّعه الله عزّ وجلّ فيكم فيدخلكم جميعاً الجنة)[5].
لذلك ورد في بعض الروايات أن الله تعالى لا يهمل صبر الوالدين واحتسابهم على مصائب موت أولادهم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟.. فيقولون: بحمدك نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟.. فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟.. فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنّة وسمّوه بيت الحمد»[6].
مجلة اليقين العدد (7)