ذهبت وأبي لكربلاء المقدسة مع أمواج الحشود المهاجرة سيرا على الأقدام في أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) طلبا لزيارته واقتناص الثواب الجزيل في ذلك.
فقلت لأبي: ما المغزى الحقيقي من هذه الزيارة العظيمة؟
قال: لها وجوه عديدةٌ أهمُّها: دوام الدين، فكما تسمع أن دين الإسلام محمدي الحدوث فهو حسيني البقاء، فالحركة الحسينية هي ثورة الإيمان من أجل الإنسان ضد الظلم والطغيان، والملفت في واقعة الطف هو مواكبي الإمام (عليه السلام) في مسيرته وثورته؛ فنرى كان معه العربي وغيره، والأبيض والأسود، والشاب والطفل، والشيخ والمرأة، ولكل واحد منهم دور على مسرح الفاجعة.
فقلت: عجبا لهذا الثورة ومعطياتها! امرأة في وسط معركة!؟
فقال: نعم، ألا ترى الحشود السائرة لكربلاء وفيها النساء مجددة العهد لسيد الشهداء تأسيا بزينبB عقيلة الطالبيين، فالمرأة لا تفرق عن الرجل في هذا المناط إلا في بعض الحدود والآداب والأحكام.
فقلت: مثل ماذا؟
قال: كما في هذا المسير المليوني فترى المرأة فيه ملتزمة بالحجاب والستر التام لبدنها، خوفاً من تعرضها للرياح القوية والتي ربما تكشف أجزاء من بدنها أو تجسّم جسدها.
فقلت: وما تقول في بكاء النساء بصوت عال في مجالس العزاء المختلطة التي تقام في طريق المسير إلى كربلاء وقد تميز بعض النساء بعينها من بكائها؟
قال: لا بأس بذاته، وأما إن كان مثيراً للرجل فيَحرّم.
فقلت: والحائض والنفساء في الزيارة هل يجوز لها الدخول إلى مراقد المعصومين (عليهم السلام)؟
قال: يجوز لهما الدخول إلى الصحن والأروقة والأحوط لزوماً عدم الدخول إلى المشهد المشرف، وكل مكان وُقِّفَ كمسجد سواء أكان في صحون الأضرحة المشرفة أو على طريق المسير إلى كربلاء.
فقلت: فهل يجوز لهما لمس التربة الحسينية بيد مبللة؟
قال: يجوز.
فقلت: أيجوز لهما قراءة الأدعية والزيارات؟
قال: نعم، يجوز لهما ويثابا عليه.
فقلت: وهل يجوز للمستحاضة القليلة بعد وضوئها أن تمس وتقرأ القرآن الكريم، وتدخل للمساجد والمراقد المقدسة؟
قال: يجوز.
فقلت: في يوم العاشر من محرم بعض النسوة يقمن بجرّ شعورهن ونثرها ولطم وجوههن، فهل يجوز لهن ذلك؟
قال: يجوز ولا كفارة عليهن.
قلت: فهل يجوز للفتاة أو المرأة المتزوجة أن تذهب سيراً إلى كربلاء إذا لم يرض الأب أو الزوج بذلك؟
قال: لا يجوز للمتزوجة الخروج من بيتها إلا بإذن زوجها، وأما الفتاة إن كان خروجها مُؤذياً لأبيها شفقة منه عليها لم يجز لها الخروج أيضاً.
فقلت: وما رأيك يا أبي بزيارة النساء للأماكن المقدسة بمفردهن بدون محرم مع الأذن لهن بالزيارة؟
قال: العبرة أن تأمن على نفسها من الوقوع في الحرام.
فقلت: هل يجوز خروج المطلقة والأرملة لزيارة العتبات المقدسة من دون إذن أبيها وأخيها؟
قال: المطلقة إذا كانت رجعية فتحتاج إلى إذن زوجها؛ لأنها زوجة في الواقع مادامت في العدّة، وإذا كانت بائنة فلا تحتاج إلى إذن إذا كانت رشيدة مالكة لأمرها، كالأرملة.
فقلت: ما حكم بعض الزائرات اللائي يضعن أصباغ التجميل على أظافرهن ويتوضأنَ؟
قال: لا يصح وضوؤها وصلاتها باعتبار أن هذه الأصباغ مانعة من وصول الماء.
فقلت: فما حكم النساء الزائرات اللائي يتوضأنَ أمام أنظار الرجال فيكشفن أيديهن وأرجلهن؟
قال: لا يجوز الكشف وإن صح وضوؤهن.
فقلت: فهل يصح لهن المسح على (الجواريب)؟
قال: لا يصح.
فقلت: وهل يحق للمرأة التدافع مع الرجال لدخول الأماكن المقدسة لا سيما في أوقات الزيارة المخصوصة والتي يكون فيها الزحام على أشدة؟
قال: لا يجوز.
فقلت: لو صلّى الرجل وجاءت المرأة ووقفتْ محاذية له على خط واحد أو متقدمة أمامه، فما حكم صلاتهما؟
قال: لا تصح صلاة كل منهما.
فقلت: فكيف يصلّيان إذا كانا في مكان واحد؟
قال: هنا تفصيل، إذا كانا محاذيين، أو كانت المرأة متقدمة فيجب أن يفصل بينهما مسافة أكثر من عشرة أذرع بذراع اليد (5و4 متراً تقريباً) أو يكون بينهما حائل، وإلا فلا تصح صلاتهما.
وأما إذا كان الرجل متقدماً فتصح الصلاة إذا كان مسجد جبهتها محاذياً لموضع ركبتيه، والأحوط استحباباً أن تتأخّر عنه بحيث يكون مسجدها وراء موقفه.
فقلت: بعض النساء تجلب معها ابنها المميز وهو يصلي بجانب أُمّه، فهل صلاته باطلة ومبطلة لصلاة الأم والنساء المحاذيات والمتقدمات عليه؟
قال: الحكم مختص بالرجل لا بالصبي المميز.
فقلت: وحجاب النساء في حضور هذا الطفل المميز؟
قال: الأحوط لزوماً ستر المرأة لبدنها وشعرها أمامه.
فقلت: لو أصاب المرأة بعض القروح أو الجروح أثناء المسير لكربلاء فهل يجوز للرجل الأجنبي أن يعالجها؟
قال: لا يجوز، إلا مع عدم وجود المماثل، أو كان غير المماثل أكثر رفقاً وخبرةً منه، وفي غير الوجه والكفين إن أمكن العلاج بلا نظر أو لمس فيجب تجنبهما.
فقلت: بعض النساء تبرّر بالتعب تارة وبعدم النظافة أخرى، أو بإرضاع أطفالهن مرة، أو بضيق المكان وعدم نظافته مرة أخرى فهل يحق لهن تأخير الصلاة أو عدم أدائها؟
قال أبي: الصلاة عمود الدين إن قُبِلت قُبِلَ ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، وينبغي الالتزام بها في أول وقتها فقد ورد عنهم (عليهم السلام): «لا تنال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة». ومن شدّة عناية الإمام الحسين (عليه السلام) بالصلاة في يوم عاشوراء قال لمن ذكرها في أول وقتها: «ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين الذاكرين»[1]، فصلّى في ساحة القتال مع شدّة الرمي.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (42)
[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج45، ص21.