لماذا الزيارة؟

في بداية هذه المسألة نقول: إن الأحكام الشرعية من الواجبات والمستحبات وغيرها ترجع إلى حكمة الله تعالى، ونحن لا ندرك منها على سبيل الجزم إلا أنه تعالى لا يأمر إلا بما فيه مصلحة، ولا ينهى إلا عن مفسدة، لكن من خلال التأمل بعض الآثار نستطيع أن نستخلص بعض المعطيات التي تنفع في التقرب إلى الله تعالى، ونيل رضاه.

ونحن في هذا الشهر، صفر الخير، ندبنا الله تعالى لزيارة الحسين (عليه السلام) في العشرين منه وفي بعض الروايات أنها من علامات المؤمن، ولهذه الزيارة عدة معطيات منها:

استشعار مسألة حياة الإمام (عليه السلام) وأنه (عليه السلام) حي يرزق.. فالسلام عادة يكون على الأحياء، ونحن نقرأ في الزيارة: «أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّكُمْ تُرْزَقُونَ»، «وَاَشْهَدُ اَنَّكَ تَسْمَعُ الْكَلامَ وَتَرُدُّ الْجَوابَ»، فعندما نقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، فنحن نعيش حالة حياة الإمام(عليه السلام) وهو تجسيد لقوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). فإذن، إن السلام فيه إشعار، وفيه إعلان موقف: أن المسلّم عليه حي يرزق، لا شك في ذلك.. ولهذا بعض العلماء يوصي عند دخول مراقد الأئمة (عليه السلام) بأن يكون الإنسان مؤدباً في كل حركاته وسكناته، وعلى الزائر أن لا يطيل الجلوس في المشهد، إذا كان هذا الجلوس مما يوجب له قساوة القلب، كأن يجلس أمام الضريح وهو يخفق برأسه من النعاس، لعل هذا من صور الإخلال بالأدب مع المعصوم الذي يُزار.

ومنها: الارتفاع إلى مستوى المخاطب، وكأن لسان حال الزائر يقول: أي يا مولاي!.. أنا أحب أن أصل إلى مستوى السلام عليك، ولذلك فإن حضور القلب مطلوب في الزيارة، كما في الدعاء، فالدعاء الذي لا إقبال فيه لا يُرفع، وكل عمل عبادي يقبل منه بمقدار إقبال قلبه عليه.

ومنها: الارتباط بعالم الغيب، والخروج من المواقف الحياتية المحسوسة، والانتقال بشكل فجائي إلى عالم آخر هو عالم التكامل، فالإنسان وهو يغوص في بحر المشاكل والمواقف اليومية من عمل وراحة وأسرة وأصدقاء ومجتمع، يجعله أحياناً في حال غضب، أو في حال سهو، أو في حال شهوة، وفجأة يوقف هذه المسيرة ويقطعها ويقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، فينتقل إلى عالم آخر يشعره بالكمال، حتى أنه من زيارات الإمام الحسين(عليه السلام) المُعتبرة في كامل الزيارات، أن تنظر يميناً وشمالاً تحت السماء، وتقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، وأن بعض العلماء، كان يكتفي بالغسل الذي يُغتسل لأجل هذه الزيارة، ويقول: أنه يغنيه عن وضوء الصلاة؛ لأنها من الزيارات المعتبرة في هذا المجال.

وهذه مسألة قد يغفل عنها البعض، حيث يظن أن الزيارة لا تصدق إلا بالسفر إلى قبر المعصوم، والحال إن الزيارة إذا لم تكن مخصوصة عند قبر المعصوم فإنها تصدق من كل مكان، ولها الأجر والثواب، وإنه لمن المناسب جداً للإنسان بين فترة وأخرى، أن يترك مشاغله ويتوجه بالسلام على إمام زمانه وولي أمره.. هذه حركة جيدة، ولو أن أحد تعوّدها؛ لا ستذوقها وكررها في حياته في كل مناسبة، فهذا الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء قال: «شيعتي!.. مهما شربتم عذب ماء فاذكروني»، البعض عندما يشرب الماء أو يشرب الشاي -مثلاً- يقول: السلام عليك يا أبا عبد الله!.. يذكر الإمام؛ ويسلم عليه، ويلعن قاتليه.. «أو سمعتم بقتيل أو شهيد؛ فاندبوني»؛ هذه من آداب الموالي يعلمنا بها الأئمة(عليهم السلام) لنستحق شرف الانتساب إليهم.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (54)