الدلالة الأولى: لبيان منزلتهم:
إنّ تعيين شخصيات المباهلة ليس حالة عفوية مرتجلة، وإنّما هو اختيار إلهي هادف، وقد أجاب الرسول(صلى الله عليه وآله) حينما سُئل عن هذا الاختيار بقوله(صلى الله عليه وآله): (لو علم الله تعالى أن في الأرض عباداً أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين، لأمرني أن أباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء، فغلبت بهم النصارى).
الدلالة الثانية: لبيان الاقتران الدائم بين الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام):
إنّ ظاهرة الاقتران الدائم بين الرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) تعبر عن مضمون رسالي كبير يحمل دلالات فكرية وروحية وسياسية خطيرة، فالمسألة ليست تكريساً للمفهوم القبلي الذي ألفته الذهنية العربية، بل هو الإعداد الرباني الهادف لصياغة الوجود الامتدادي في حركة الرسالة، هذا الوجود الذي يمثله أهل البيت(عليهم السلام) بما يملكونه من إمكانات تؤهلهم لذلك.
الدلالة الثالثة: لبيان الخلافة لأمير المؤمنين (عليه السلام):
أما وجه الدلالة في هذه الآية المباركة، بعد بيان شأن نزولها وتعيين من كان مع النبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الواقعة، فيستدل علماؤنا ـ تبعاً لأئمتنا (عليهم السلام) ـ بكلمة: (وَأَنْفُسَنَا)، ولعل أول من استدل بهذه الآية المباركة هو أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه، عندما احتج في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه، فكان من ذلك احتجاجه بآية المباهلة: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ).
ومن خصوصيات رسول الله (صلى الله عليه وآله) العصمة، فمن مفهوم آية المباهلة يُستدلّ على عصمة عليّ (عليه السلام) أيضاً.
ومن خصوصياته (صلى الله عليه وآله) أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم أيضاً، وأنّه(صلى الله عليه وآله) أفضل جميع الخلائق وأشرفهم فكذلك عليّ(عليه السلام)، وإذا ثبت أنّه(عليه السلام) أفضل البشر، وجب أن يليه بالأمر من بعده.
إنّ هذه المفردة القرآنية (وَأَنْفُسَنَا) تعتبر علياً (عليه السلام) الحالة التجسيدية الكاملة لشخصية الرسول (صلى الله عليه وآله)، نستثني النبوة التي تمنح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) خصوصية لا يشاركه فيها أحد مهما كان موقعه، فعلي (عليه السلام) بما يملكه من هذه المصداقية الكاملة هو المؤهل الوحيد لتمثيل الرسول (صلى الله عليه وآله) في حياته وبعد مماته.