المقدمة

الأوّل: الاغتمام لفراقه(عليه السلام) ولمظلوميته، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (نفس المهموم لنا، المغتمّ لظلمنا تسبيح)[1].

الثاني: إنتظار فرجه وظهوره(عليه السلام)، فقد ورد عن الإمام محمد التقي(عليه السلام) أنه قال: (إنَّ القائم منّا هو المهديّ الذي يجب أنْ يُنتظر في غيبته، ويُطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي... إلى آخر الحديث)[2].

وورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: (أفضل العبادة الصبر وانتظار الفرج)[3].

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه)[4].

الثالث: البكاء على فراقه ومصيبته(عليه السلام)، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (والله ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصنّ حتى يقال: مات أو هلك، بأيّ واد سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين)[5].

وروي عن الرضا(عليه السلام) أنه قال: (من تذكّر مصابنا، وبكى لما ارتُكِبَ منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة)[6].

الرابع: التسليم والانقياد، وترك الاستعجال في ظهوره(عليه السلام).

ومعنى ذلك ترك قول (لم، ولأي شيء) في أمر ظهوره(عليه السلام)، بل يسلّم بصحة ما يصل إليه من ناحيته(عليه السلام)
وأنه عين الحكمة.

فقد ورد في عن الإمام محمد التقي(عليه السلام) أنه قال: (إنّ الإمام بعدي أبني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قوله أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت، فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى(عليه السلام) بكاءاً شديداً، ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله، لم سمّي القائم؟ قال: لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولم سمّي المنتظر؟ قال: لأن له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، ويُنِكره المرتابون، ويستهزيء بذكره الجاحدون، ويُكذّب بها الوقَّاتون، ويَهْلَكُ فيها المستعجلون، وينجُو فيها المسلّمون)[7].

الخامس: أن نصله(عليه السلام) بأموالنا، وذلك يكون بعنوان الهدية إليه(عليه السلام)، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام)
أنه قال: (ما من شيء أحبّ إلى الله من إخراج الدراهم إلى الإمام، وإنّ الله ليجعل له الدرهم في الجنة مثل جبل أحد)، ثم قال: إنّ الله تعالى يقول في كتابه: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً)[8]. قال: هو والله في صلة الإمام خاصة)[9].

أما في هذا الزمان حيث أنّ الإمام(عليه السلام) غائب، يصرف المؤمن ذلك المال الذي جعله صلة وهدية له(عليه السلام)
في موارد فيها رضاه، كأن ينفقها على الصالحين الموالين له(عليه السلام)، فقد ورد عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)
أنه قال: (من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتنا، ومن لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا)[10].

السادس: التصدّق عنه(عليه السلام) بقصد سلامته، بما يتيسر في كلّ وقت لحفظ وجوده المبارك(عليه السلام) فان اصلاح كثير من أمورنا الدينية والدنيوية متوقّف على وجوده وسلامته(عليه السلام).

ومن المعلوم ان الصدقة التي يعطيها الانسان تكون  عن نفسه وعياله أو عن محبوب عزيز له مكانة عنده، وقد ثبت بالبراهين العقلية والنقلية انّه لا شيء أعزّ وأغلى من وجود إمام العصر المقدّس(عليه السلام)، بل انّه أحبّ إليه من نفسه -وان لم يكن كذلك فهو ضعف ونقص في الايمان وضعف وخلل في الاعتقاد.

كما روى بأسانيد معتبرة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) انّه قال: (لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله...)[11].

وكيف لا يكون كذلك وجميع الوجود والحياة والدين والعقل والصحة والعافية وكل النعم الإلهية الظاهرية والباطنيّة لكلّ الموجودات انما هي فيض ذلك الوجود المقدّس وأوصيائه صلوات الله عليهم.

وبما ان صاحب العصر والزمان هو الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه، فمن اللازم والمحتّم علينا جميعا أن يكون هدفنا الأولي وغايتنا الأولى التشبّث بكلّ وسيلة وسبب لبقاء صحته وتحصيل عافيته وقضاء حاجته ودفع البلاء الذي نزل به، مثل الدعاء، والتضرّع والتصدق والتوسّل ليكون وجوده المقدّس سالماً ومحفوظاً.

وشدّة الاهتمام والتأكيد على طلب حفظه وسلامة وجوده المعظّم أرواحنا فداه من شرّ الجن والانس، وطلب طول العمر له، وكذلك باقي النعم الإلهية الدنيوية والأخروية.

ولا فرق في الوسيلة بين الدعاء والصدقة، ولذلك قال السيد الجليل علي بن طاووس(رحمه الله)، في كتاب (كشف المحجة) بعد عدّة وصايا إلى ولده، وأمره بالتمسك والصدق بموالاته(عليه السلام): (وقَدِّم حوائجَه على حوائجكَ عند صلاة الحاجات... والصدقة عنه قبل الصدقة عنكَ وعمّن يعزّ عليك، والدعاء له قبل الدعاء لكَ، وقدّمه في كلّ خير يكون وفاءاً له، ومقتضياً لإقباله عليك، واحسانه إليك...إلى آخره)[12].

السابع: معرفة صفاته، والعزم على نصرته في أي حال كان، والبكاء والتألّم لفراقه(عليه السلام)، وعدم الوصول إلى أذيال وصاله، والعيون لم تقرّ بالنظر إلى نور جماله، مع وجوده بين الأنام، فيلزم أن يكون الإنسان مهموماً مغموماً لأجل غيبة الإمام المنتظر(عليه السلام)،
ولأجل ما يراه من ضعف الدين والمؤمنين، وما يجري عليهم من المأسي والويلات...، فقد روى سدير الصيرفي قال: (دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق(عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح[13] خيبري مطوّق بلا جيب مقصّر الكمين وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول: سيدي غيبتكَ نفتْ رقادي وضيقتْ عليّ مهادي وابتزتْ مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد، يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى من عيني، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا مثّل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها وبواقي اشدها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك ونوازل معجونة بسخطك.

قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً وتصدعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، وظننا انه سمت لمكروهة قارعة، أو حلّت به من الدهر بائقة، فقلنا:لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك،من أية حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟

قال: فزفر الصادق(عليه السلام) زفرة انفتح منها جوفه واشتد عنها خوفه، وقال: ويلكم نظرتُ في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمداً(صلى الله عليه وآله) والأئمة من بعده(عليهم السلام)، وتأملتُ منه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ[14]﴾ فأخذتني الرقة واستولت علي الأحزان)[15].

الثامن: طلب معرفته(عليه السلام) من الله عز وجل، فيقرأ هذا الدعاء المروي عن الإمام الصادق(عليه السلام): (اللّهم عرّفني نَفْسَكَ، فَإنَّكَ اِن لَم تُعرّفْني نَفْسَكَ لَم اَعرِفْ نَبِيّيك. اللهمَّ عَرّفْني رَسولَكَ، فإنَّكَ اِن لَم تُعرّفْني رَسولَكَ لَمْ اَعرفْ حُجَتَك. اللّهمَّ عَرِّفْني حُجّتَكَ، فإنَّكَ اِن لَمْ تُعرّفْني حُجّتَكَ ضَلَلْتُ عَن ديْني)[16].

التاسع: المداومة على قراءة هذا الدعاء المروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) وهو: (يا أللهُ يا رَحْمنُ يا رَحيم يا مُقلِّبَ القلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبي على ديْنِك)[17].

العاشر: القيام احتراماً وتعظيماً عند ذكر اسمه وخصوصاً لقب (القائم)، كما استقرّت عليه سيرة الاماميّة كثّرهم الله تعالى في جميع بلاد العالم.

وعندما سُئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم من ألقاب الحجة. قال: (لأن له غيبة طولانية، ومن شدة الرأفة إلى أحبته ينظر إلى كل من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته والحسرة بغربته، ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع لصاحبه عند نظر المولى الجليل إليه بعينه الشريفة، فليقم وليطلب من الله جل ذكره تعجيل فرجه[18].

ونقل صاحب الذريعة ان دعبل الخزاعي لما بلغ قوله في (التائية):

إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً                      يفرج عنا الهم والكربات

قال من حضر مجلس الرضا(عليه السلام) لما نطق دعبل بهذا البيت تهلل وجه الرضا(عليه السلام) وطأطأ رأسه إلى الأرض وبسط كفيه ورمق بطرفه إلى السماء وقال: (اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه وانصرنا به وأهلك عدوه...)[19].

والظاهر من هذا الفعل هو في سبيل إعطاء الموضوع اهتماماً بالغاً في نفوس الشيعة.

الحادي عشر: إعداد السلاح للجهاد بين يديه، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (ليعدَّنَّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإنّ الله تعالى إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأن ينسىء في عمره حتى يدركه)[20].

الثاني عشر: التوسّل به(عليه السلام) في المهمّات، وإرسال رسائل الإستغاثة له(عليه السلام) كما ورد نصّها في (البحار)[21].

الثالث عشر: القسم على الله تعالى به(عليه السلام) في الدعاء، وجعله شفيعاً في قضاء الحوائج، كما ورد في كمال الدين[22].

الرابع عشر: الثبات على الدين القويم، وعدم اتباع الدعوات الباطلة المزخرفة، وذلك لأنّ الظهور لا يكون قبل خروج السفياني والصيحة في السماء، فقد ورد في أخبار كثيرة: (اسكن ما سكنت السماء من النداء، والأرض من الخسف بالجيش)[23].

وورد عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنه قال: (ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء، صوتاً منها: ألا لعنة الله على القوم الظالمين، والصوت الثاني: أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين.

والصوت الثالث: -يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس- هذا أمير المؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين)[24].

وورد في حديث آخر: أن جبرئيل ينادي في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان نداء يسمعه جميع الخلائق: (إن الحق مع علي وشيعته)، وفي آخر النهار ينادي إبليس: (إن الحق مع عثمان وشيعته)، فعند ذلك يرتاب المبطلون[25].

وفي حديث آخر ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض: (ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه)[26].

وورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): (أوَّل من يبايع القائم(عليه السلام) جبرئيل ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه، ثم يضع رجلاً على بيت الله الحرام ورجلاً على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق: (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).

وفي حديث آخر: (فيبعث الله تبارك وتعالى ريحاً فتنادي بكلّ واد: هذا المهدي، يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام لا يريد عليه بيّنة)[27].

الخامس عشر: العزلة عن عموم الناس، فقد ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: (يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول: عبادي وإمائي، آمنتم بسرّي وصدقتم بغيـبي، فابشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقاً، منكم أتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: حفظ اللسان ولزوم البيت)[28].

أي يبتعد عن معاشرة الناس إلاّ في الضرورات، فإنّهم يُنسونه ذكر إمامه.

السادس عشر: الصلاة على ولي الأمر المنتظر(عليه السلام): (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ وَابْنِ أَوْلِيَائِكَ الَّذِينَ فَرَضْتَ طَاعَتَهُمْ وَأَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ وَأَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيرا. اللَّهُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ لِدِينِكَ وَانْصُرْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَأَوْلِيَاءَهُ وَشِيعَتَهُ وَأَنْصَارَهُ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمُ. اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ بَاغٍ وَطَاغٍ وَمِنْ شَرِّ جَمِيعِ خَلْقِكَ وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَاحْرُسْهُ وَامْنَعْهُ مِنْ أَنْ يُوصَلَ إِلَيْهِ بِسُوءٍ وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَآلَ رَسُولِكَ وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ وَانْصُرْ نَاصِرِيهِ وَاخْذُلْ خَاذِلِيهِ وَاقْصِمْ قَاصِمِيهِ وَاقْصِمْ بِهِ جَبَابِرَةَ الْكُفْرِ وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَجَمِيعَ الْمُلْحِدِينَ حَيْثُ كَانُوا مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بَرِّهَا وَبَحْرِهَا وَامْلَأْ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلاً وَأَظْهِرْ بِهِ دِينَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاجْعَلْنِي اللَّهُمَّ مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَشِيعَتِهِ وَأَرِنِي فِي آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مَا يَأْمُلُونَ وَفِي عَدُوِّهِمْ مَا يَحْذَرُونَ إِلَهَ الْحَقِّ آمِينَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ)[29].

السابع عشر: ذكر فضائله ومناقبه سلام الله عليه، وذلك لأنّه وليّ النعمة وسبب كل النعم الإلهية الواصلة إلينا، فأحد أنواع الشكر لولي النعمة هو ذكر فضائله وكمالاته وإحسانه، كما ورد في مكارم الاخلاق عن سيد الساجدين(عليه السلام) في حق ذي المعروف علينا من رسالة الحقوق: (وأما حق مولاك المنعم عليك: فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها فأطلقك من أسر الملكية وفك عنك قيد العبودية وأخرجك من السجن وملكك نفسك وفرغك لعبادة ربك وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك وموتك وأن نصرته عليك واجبة بنفسك وما أحتاج إليه منك ولا قوة إلا بالله)[30].

الثامن عشر: إظهار الشوق لرؤية جماله المبارك حقيقة، فقد ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما أشار إلى صدره وتأوّه شوقاً إلى لقائه[31] (وهو لم يولد بعد).

التاسع عشر: دعوة الناس لمعرفته وخدمته وخدمة آبائه الطاهرين، فقد ورد عن سليمان بن خالد أنّه قال للإمام الصادق(عليه السلام): إن لي أهل بيت وهم يسمعون منّي، أفأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال (عليه السلام):
(نعم إنّ الله عز وجل يقول في كتابه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ[32])[33].

العشرون: الصبر على المصاعب وعلى تكذيب وأذى ولوم أعدائه في زمان غيبته(عليه السلام)، فقد ورد عن سيّد الشهداء(عليه السلام) أنّه قال: (أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله(عليه السلام))[34].

الحادي والعشرون: إهداء ثواب الأعمال الصالحة كقراءة القرآن وغيرها إليه، سلام الله عليه.

الثاني والعشرون: زيارته(عليه السلام)، بالزيارات المأثورة كزيارة آل ياسين وغيرها.

وهذان العملان السابقان غيرُ مختصّين به(عليه السلام)، بل وردا بشأن جميع الأئمة(عليهم السلام).

الثالث والعشرون: الدعاء لتعجيل ظهوره، وطلب الفتح والنصر له(عليه السلام) من الله تعالى.

ولهذا العمل فوائد وثمار كثيرة جداً، وقد ورد في التوقيع الشريف المروي عنه(عليه السلام): (وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم)[35].

وروي عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) أنّه قال: (والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من ثبّته الله عز وجل على القول بإمامته ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه)[36].

الرابع والعشرون: أن يُظهر العلماء عملهم، ويُرشدوا الجاهلين إلى جواب شبهات المخالفين، كي لا يضلّوا ويُنقذوهم من الحَيْرَةِ إن وقعوا فيها، وهذا الأمر مهمّ جداً في هذا الزمان وهو واجب على العلماء، فقد ورد في «تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)» أنّ الإمام محمد التقي(عليه السلام) قال: (إنّ من تَكفّل بأيتام آل محمد(صلى الله عليه وآله)، المنقطعين عن إمامهم، المتحيرين في جهلهم، الأُسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردْ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربّهم، ودليل أئمتهم، ليَفْضُلُون عند الله على العباد بأفضل المواقع، بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب، وفَضْلهُم على هذا العابد كفَضْلِ القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء)[37].

وروي عن الإمام علي النقي(عليه السلام) أنّه قال: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شَبَاك إبليس ومردته، ومن فِخَاخ النواصب لما بقي أحد إلاّ ارتدَّ عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل)[38].

وعن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): رجل راوية لحديثكم يَبُثُّ ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ولعلَ عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيَهما أفضل؟قال: (الرواية لحديثنا يَشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)[39].

إذن على ضوء هذه الأحاديث وغيرها يجب على كل عالم أن يُظهر علمه بقدر ما يستطيع، خصوصاً في هذا الزمان الذي ظهرت فيه البدع، وقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إذا ظهرت البدع في أمّتي فليُظهر العالمُ علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله)[40].

وروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): (يا علي، لو هدى الله بك رجلاً واحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس)[41].

الخامس والعشرون: الاهتمام بأداء حقوق صاحب الزمان(عليه السلام) كل بقدر استطاعته، وعدم التقصير في خدمته، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه سئل: هل ولد القائم؟ قال: (لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي)[42].

أقول: تأمّل أيّها المؤمن كيف يجل الإمام الصادق (عليه السلام) قدره، فإن لم تكن خادماً له فلا أقلّ أن لا تحزن قلبه ليلاً ونهاراً بسيئاتك، فإن لم تَجُد بالعسل فلا تعط السمّ.

السادس والعشرون: أن يبدأ الداعي بالدعاء له(عليه السلام) طالباً من الله تعالى تعجيل ظهوره، ثم يدعو لنفسه، وهذا الأمر تترتب عليه أكثر من ثمانين فائدة من الفوائد الدنيوية والأخروية، وقد ذكرت هذه الفوائد مع مصادرها وأدلّتها في كتاب (مكيال المكارم)[43].

ومن الطبيعي أنّ الشخص العاقل يؤْثر تحصيل تلك الفوائد على دعاء لا يعلم يستجاب أم لا، بل تقديم الدعاء له(عليه السلام) يكون وسيلة لاستجابة دعائه إن شاء الله تعالى، كما هو شأن تقديم الصلاة على محمد وآل محمد في الدعاء، حيث يكون موجباً لاستجابة ما بعده من دعاء، فعن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: (لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل محمد)[44].

السابع والعشرون: إظهار المحبة والولاء له(عليه السلام)، فقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنه قال في حديث المعراج إن الله تعالى قال له: (يا محمد، أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم، فقال: تقدّم أمامك، فتقدّمتُ أمامي فإذا علي بن أبي طالب، والحسن والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة القائم كأنه الكوكب الدرّي في وسطهم.

فقلت: يا رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أئمة الحق، وهذا القائم، مُحلِّل حلالي، ومُحرِّم حرامي[45]، وينتقم من أعدائي، يا محمد أحببه فإنّي أحبّه، وأحب من يحبّه)[46].

أقول: يتضح من الأمر بمحبته -مع أنّ محبة جميع الأئمة واجبة- أنّ في محبّته خصوصية معينة كانت وراء أمر الله تعالى هذا، وأنّ في وجوده المبارك صفات وشؤون تقتضي هذا التخصيص.

الثامن والعشرون: الدعاء لأنصاره وخدّامه، ولعن أعدائه(عليه السلام)، كما هو ظاهر من أخبار كثيرة، ومن الدعاء الوارد عنه(عليه السلام): (اللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ وَانْصُرْ نَاصِرِيهِ وَاخْذُلْ خَاذِلِيهِ وَدَمْدِمْ عَلَى مَنْ نَصَبَ لَهُ وَكَذَّبَ بِهِ وَأَظْهِرْ بِهِ الْحَقَّ وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ وَاسْتَنْقِذْ بِهِ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الذُّلِ وَانْعَشْ بِهِ الْبِلاَدَ وَاقْتُلْ بِهِ جَبَابِرَةَ الْكُفْرِ وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلاَلَةِ وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ وَالْكَافِرِينَ وَأَبِرْ بِهِ الْمُنَافِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَجَمِيعَ الْمُخَالِفِينَ وَالْمُلْحِدِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا)[47].

التاسع والعشرون: الواحد والثلاثون: التوسّل بالله تعالى أن يجعلنا من أنصاره، كما ورد ذلك في دعاء العهد الكبير والصغير[48] وغيره.

الثلاثون: رفع الصوت في الدعاء له(عليه السلام) وخصوصاً في المجالس والمحافل العامة، فهو إضافة إلى انّه تعظيم لشعائر الله تعالى، فقد ظهر استحباب ذلك في بعض فقرات دعاء الندبة المروي عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: (إلى متى أجار[49] فيك يا مولاي وإلى متى).

الحادي والثلاثون: الصلاة على أنصاره وأعوانه (عليه السلام).
وهو نوع من الدعاء لهم، وقد ورد ذلك في دعاء عرفة من الصحيفة السجادية المباركة: (اللَّهُمَّ وصَلِّ عَلَى أَوْلِيَائِهِمُ الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقَامِهِمُ، الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمُ، الْمُقْتَفِينَ آثَارَهُمُ، الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِمُ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِوِلَايَتِهِمُ، الْمُؤْتَمِّينَ بِإِمَامَتِهِمُ، الْمُسَلِّمِينَ لِأَمْرِهِمُ، الْمُجْتَهِدِينَ فِي طَاعَتِهِمُ، الْمُنْتَظِرِينَ أَيَّامَهُمُ، الْمَادِّينَ إِلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمُ، الصَّلَوَاتِ الْمُبَارَكَاتِ الزَّاكِيَاتِ النَّامِيَاتِ الْغَادِيَاتِ الرَّائِحَاتِ، وسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وعَلَى أَرْوَاحِهِمْ، واجْمَعْ عَلَى التَّقْوَى أَمْرَهُمْ، وأَصْلِحْ لَهُمْ شُئُونَهُمْ، وتُبْ عَلَيْهِمْ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ، وخَيْرُ الْغافِرِينَ، واجْعَلْنَا مَعَهُمْ فِي دَارِ السَّلَامِ بِرَحْمَتِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ)[50].

الثاني والثلاثون: الطواف حول الكعبة المشرفة نيابة عنه(عليه السلام).

الثالث والثلاثون: الحجّ نيابة عنه(عليه السلام).

الرابع والثلاثون: إرسال النائب عنه للحجّ، كما هو معروف بين الشيعة في القديم، ودليله ودليل الذي قبله الحديث المروي في عن القطب الراوندي رحمه الله في كتاب الخرائج: ان أبا محمد الدعلجي كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا، وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن كان يغسّل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، ودفع إلى أبي محمد حجة يحج بها عن صاحب الزمان عليه السلام وكان ذلك عادة الشيعة وقتئذ. فدفع شيئاً منها إلى ابنه المذكور بالفساد، وخرج إلى الحج. فلمّا عاد حكى انّه كان واقفاً بالموقف، فرأى إلى جانبه شاباً حسن الوجه، اسمر اللون، بذؤابتين، مقبلا على شأنه في الدعاء والابتهال والتضرّع، وحسن العمل، فلمّا قرب نفر الناس التفت إليّ وقال: يا شيخ ما تستحي؟ قلت: من أيّ شيء يا سيدي؟ قال: يدفع اليك حجة عمّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، ويوشك أن تذهب عينك هذه. وأومأ إلى عيني وأنا من ذلك إلى الآن على وجل ومخافة. وسمع منه أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ذلك، قال: فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتى خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة، فذهبت[51].

الخامس والثلاثون: تجديد العهد والبيعة له(عليه السلام) في كل يوم أو في كل وقت ممكن.

واعلم أن معنى البيعة على قول أهل اللغة: العهد والاتّفاق على أمر، والمراد من البيعة والعهد معه(عليه السلام) هو أن يُقرَّ المؤمن بلسانه ويعزم بقلبه أن يطيعه كل الطاعة، وينصره في أي وقت ظهر فيه، وهذا الأمر يحصل بقراءة دعاء العهد الكبير[52] أو الصغير[53].

وأما وضع اليد في يد شخصٍ ما بعنوان أنّ هذه البيعة هي بيعة مع الإمام(عليه السلام) فهو من البدع المضلّة فلم ترد في القرآن أو الروايات، نعم لقد كان متعارفاً عند العرب أن يضع الرجل يده بيد رجل آخر لإظهار البيعة والعهد بصورة جليّة، وقد ورد في بعض الأحاديث أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد صافح في مقام البيعة ثم وضع يده المباركة في إناء ماء ثم أخرجها وأمر نساء المسلمين أن يضعن أيديهنّ في ذلك الماء في مقام البيعة له(صلى الله عليه وآله)، وهذا لا يصلح أن يكون دليلاً على أنّ هذا الشكل من البيعة جائز في كل زمان حتى زمان غيبة الإمام(عليه السلام)، بل يظهر من بعض الأحاديث وجوب الاكتفاء بالإقرار اللساني والعزم القلبي في عدم إمكان بيعة شخص الإمام(عليه السلام) أو النبي(صلى الله عليه وآله)، وقد أورد جمع من العلماء في كتبهم عدة أمور تدل على ذلك.

ومن جملتها ماورد في تفسير (البرهان) عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد أن نصب الأمير(عليه السلام) خليفة له أوضح جملة من فضائله، ثم قال: (معاشر الناس إنّكم أكثر من أن تصافقوني بكفّ واحدة، وأمرني الله عز وجل أن آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدت لعلي(عليه السلام) بإمرة المؤمنين ومن جاء بعده من الأئمّة منّي ومنه على ما أعلمتكم أنّ ذرّيّتي من صلبه، فقولوا بأجمعكم: إنّا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلّغْتُ من أمر ربّنا وربّك في أمر علي أمير المؤمنين وأمر ولده من صلبه من الأئمّة ـ إلى آخر الحديث)[54].

فإن كان جائزاً وضع اليد في يد غير الإمام بعنوان البيعة مع الإمام(عليه السلام) لكان قد أمر الناس أن تضع كلّ طائفة يدها في يد أحد كبار الصحابة مثل سلمان وأبي ذر وغيرهم، فإذن لايصحّ هذا العمل إلاّ مع شخص النبي(صلى الله عليه وآله) وشخص الإمام(عليه السلام) في زمان ظهوره، كالجهاد المختص بزمان حضور الإمام(عليه السلام)، وعلاوة على ذلك لم يرد أيّ حديث في أي كتاب روائي يقول أن في زمان الأئمّة(عليهم السلام) بايع أحد المسلمين أحد الصحابة الأئمّة(عليهم السلام) الكبار بعنوان أن نفس الأئمّة(عليهم السلام) جعلوهم مراجع نستعينهم في هذا الأمر.

السادس والثلاثون: ذكر بعض الفقهاء، مثل المحدّث الحر العاملي رحمه الله في الوسائل، حيث قال: يستحب زيارة قبور الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) نيابة عن الإمام عجل الله تعالى فرجه[55].

السابع والثلاثون: روي عن المفضل أنّه قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: (لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأُخرى يقال: هلك، في أيّ واد سلك؟! قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟! قال: إذا ادّعاها مدّع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله)[56].

أقول: يعني اسألوه عن أمور لا يصل إليها علم الناس، مثل الإخبار عن الجنين في رحم أُمّه، أذكر هو أم أُنثى؟ وفي أيّ وقت يولد؟ ومثل الإخبار عمّا أضمرتموه في قلوبكم ممّا لا يعلم به إلاّ الله تعالى، والتكلّم مع الحيوانات، والجمادات، وشهادتهما على صدقه وحقِّه في هذا الأمر كما حصل أمثالها مع الأئمّة الطاهرين(عليهم السلام) مكرراً، وقد ذكرت مفصّلة في الكتب.

الثامن والثلاثون: تكذيب من يدّعي النيابة الخاصة عنه (عليه السلام) في الغيبة الكبرى، كما ورد ذلك في التوقيع الشريف المروي عن أبي محمّد، الحسن بن أحمد المكتّب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري ـ قدس الله روحه ـ
فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية[57] فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)[58].

التاسع والثلاثون: عدم تعيين وقت لظهوره(عليه السلام)، وتكذيب من يعيّن ذلك وتسميته كذّاباً.

وقد ورد في الحديث الصحيح عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال لمحمد بن مسلم: (من وقّت لك من الناس شيئاً فلا تهابنّ أن تكذّبه، فلسنا نوقّت لأحد وقتاً)[59].

وفي حديث آخر عن الفضيل أنّه قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام): هل لهذا الأمر وقت؟ فقال: (كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون)[60].

عن الرضا(عليه السلام) أنه قال: (حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه(عليهم السلام) أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قيل له: يا رسول الله، متى يخرج القائم من ذرّيّتك؟

فقال(عليه السلام): مثله مثل الساعة التي ﴿لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً[61])[62]. والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً.

الأربعون: التقيَّة من الأعداء.

وأما معنى التقية الواجبة فهو أن يتوقَّف المؤمن عن إظهار الحقّ إذا وجد خوفاً عقلائياً من الضرر في نفسه أو ماله أو كرامته فلا يظهر الحقّ، بل إذا اضطرّ لحفظ نفسه أو ماله أو كرامته أَن يوافق المخالفين بلسانه فليفعل، إلاّ أنّ قلبه يجب أن يكون مخالفاً للسانه، فقد ورد عن الإمام الرضا(عليه السلام) أنّه قال: (لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، إنَّ أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة) فقيل له: يا ابن رسول الله، إلى متى؟ قال: (إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا)[63].

والأخبار في وجوب التقيّة كثيرة جداً، وما عرضته من معنى التَّقيّة الواجبة هو نفس معنى الحديث المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (وترك التقية فإن في ذلك إذلالكم وسفك دمائكم ودماء المؤمنين... إلى آخر الحديث)[64].

وروى الشيخ الصدوق(رحمه الله) بسند صحيح عن الإمام محمد الباقر(عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (قوام الدين بأربعة[65]: بعالم ناطق مستعمل له، وبغنيّ لا يبخل بفضله على أهل دين الله، وبفقير لا يبيع آخرته بدنياه، وبجاهل لا يتكبر عن طلب العلم، فاذا كتم العالم علمه، وبخل الغني بماله، وباع الفقير آخرته بدنياه، واستكبر الجاهل عن طلب العلم، رجعت الدنيا إلى ورائها القهقرى فلا تغرَّنكم كثرة المساجد وأجساد القوم مختلفة، قيل: يا أمير المؤمنين، كيف العيش في ذلك الزمان؟ فقال: خالطوهم بالبرانية -يعني في الظاهر- خالفوهم في الباطن، للمرء ما اكتسب وهو مع من أحبّ، وانتظروا مع ذلك الفرج من الله عز وجل)[66].

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص226.

[2] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص377.

[3] تحف العقول، ابن شعبة الحراني: ص201.

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج52، ص126.

[5] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص347.

[6] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص68.

[7] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص378، كفاية الأثر، الخزاز القمي: ص279.

[8] سورة البقرة: آية 246.

[9] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص451.

[10] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج102، ص295، عن كامل الزيارات، ابن قولويه القمي: ص319.

[11] الأمالي، الشيخ الصدوق: ص102.

[12] كشف الغمة، السيد ابن طاووس: ص251.

[13] المسح: الكساء من الشعر.

[14] يقصد بها الولاية.

[15] النجم الثاقب، الميرزا حسين النوري الطبرسي: ج2، ص442.

[16] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص272، كمال الدين، الشيخ الصدوق: ج2، ص342.

[17] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص352.

[18] إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الشيخ علي اليزدي الحائري: ج1، ص246.

[19] الذريعة، الشيخ آقا بزرگ الطهراني: ج32، ص247.

[20] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج52، ص366، عن غيبة النعماني: ص320، ح10.

[21] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج94، ص29.

[22] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص493.

[23] الأمالي، الشيخ الطوسي: ص412.

[24] الغيبة، الشيخ الطوسي: ص268.

[25] الإرشاد، الشيخ المفيد: ج2، ص371.

[26] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص372.

[27] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص671.

[28] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص330.

[29] مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي: ص405.

[30] مكارم الاخلاق، الشيخ الطبرسي: ص421.

[31] الغيبة، النعماني: ص214، بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج51، ص115.

[32] سورة التحريم:  آية 6.

[33] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص211.

[34] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص317.

[35] الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: ج2، ص284.

[36] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص348.

[37] تفسير الإمام العسكري(عليه السلام): ص116.

[38] تفسير الإمام العسكري(عليه السلام): ص116.

[39] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص33.

[40] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص54.

[41] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج8، ص484.

[42] المصدر السابق: ج51، ص148.

[43] مكيال المكارم، الميرزا محمد تقي الأصفهاني: ج1، ص377.

[44] الكافي، الشيخ الكليني: ج2، ص491.

[45] أي يظهر جميع أحكام الدين حتى يعمل بها بلا تقية.

[46] غاية المرام، السيد هاشم البحراني: ج2، ص241.

[47] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص513.

[48] ذكرنا الدعاء في صفحة52 و56.

[49] في القاموس: جأر يعني رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.

[50] الصحيفة السجادية، الأبطحي: ص323.

[51] الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي: ص73.

[52] راجع نفس الكتاب صفحة 52.

[53] راجع نفس الكتاب صفحة 56.

[54] البرهان في تفسير القران، السيد هاشم البحراني: ج2، ص237.

[55] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج10، ج464.

[56] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص340.

[57] في بعض النسخ (الغيبة التامة).

[58] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص516، ح44، الغيبة، الشيخ الطوسي:  ص395.

[59] الغيبة، الشيخ الطوسي: ص262، وعنه في بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج52، ص104.

[60] الغيبة، الشيخ الطوسي: ص262.

[61] سورة الأعراف: آية187.

[62] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص373.

[63] كمال الدين، الشيخ الصدوق: ص371.

[64] عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة قال:... إياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها، فإنك شائط بدمك ودم إخوانك... راجع كتاب الاحتجاج، الشيخ الطبرسي: ج1، ص355.

[65] أي إقامة أحكام الدين الإسلامي متوقفة على وجود هؤلاء الأربعة.

[66] الخصال، الشيخ الصدوق: ص197.