النبي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (عليهم السلام)

ورد اسم إبراهيم (عليه السلام) في 69 موضعاً من القرآن الكريم تحدثت عنه آيات تتوزع بين خمسة وعشرين سورة، والقرآن يثني كثيراً على هذا النبي الكريم (عليه السلام) ويذكره بصفات جليلة عظيمة، إنه قدوة وأسوة في كل المجالات، ونموذج للإنسان الكامل.

مكانته في سُلّم معرفة الله... ومنطقه الصريح أمام عبدة الأوثان... ونضاله المرير ضد الجبابرة... وتضحياته على طريق الله، وصموده الغريب أمام عواصف الحوادث والاختبارات الصعبة... كل واحدة من هذه الصفات تشكل النموذج الأعلى للسائرين على طريق التوحيد.

إبراهيم كما يصفه القرآن من (الْمُحْسِنِينَ)، ومن (الصَّالِحِينَ)، ومن (الْقَانِتِينَ)، ومن (الصِّدِّيقِينَ)، (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ)، و(إِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)، وأنه ذو سخاء عظيم وشجاعة منقطعة النظير.

حياة إبراهيم المليئة بالأحداث:

ونستطيع أن نقسم مراحل حياته الشريفة إلى ثلاث فترات:

1 - فترة ما قبل النبوة.

2 - فترة نبوته ومحاربته للأصنام في بابل.

3 - فترة الهجرة من بابل وتجواله في أرض مصر وفلسطين ومكة.

ولادته وطفولته:

ولد إبراهيم (عليه السلام) في أرض بابل التي كانت من بلدان العالم المهمة، وتحكمها حكومة قوية وجائرة، وفتح عينيه على العالم في الوقت الذي كان نمرود بن كنعان الملك الجبار الظالم يحكم أرض بابل ويعتبر نفسه الرب الأعلى.

بالطبع لم يكن للناس في ذلك الوقت هذا الصنم فقط، بل كانت لهم أصنام مختلفة يعبدونها ويتقربون إليها.

والدولة في ذلك الوقت كانت تدافع بقوة عن الأصنام؛ لأنها الوسيلة المؤثرة في تحذير وتسخيف المجتمع، بحيث لو صدرت أي إهانة من أحد اتجاهه يعتبرونها خيانة عظيمة.

وقد نقل المؤرخون قصة عجيبة حول ولادة إبراهيم (عليه السلام) وخلاصتها هي: توقع المنجمون إنه سوف يولد شخص ويحارب نمرود بكل قوة، ولذلك فقد سعى جاهداً لأن يوقف ولادة هذا الشخص أو أن يقتله حين ولادته، إلا إنه لم يتمكن من ذلك وولد المولد.
واستطاعت أمه أن تحفظه عبر تربيته في زوايا الغار القريب من مولده، بالشكل الذي أمضى ثلاثة عشر عاماً هناك.

وفي النهاية وبعد أن ترعرع في مخفاه بعيداً عن أنظار شرطة نمرود، ووصل إلى سن الشباب، صمم على الخروج منه والنزول إلى المجتمع ليشرح لهم دروس التوحيد التي استلهمها من دخيلة نفسه وتأملاته الفكرية.

نبوة إبراهيم (عليه السلام):

ليس عندنا دليل واضح على عمر إبراهيم (عليه السلام) حينما تقلد مقام النبوة، ولكن نستفيد من سورة مريم، أنه أثناء محاورته لعمه كان من الأنبياء، حيث يقول تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا).

ونعلم أن هذه الحادثة كانت قبل إلقائه في النار، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ما قاله بعض المؤرخين من أن عمره أثناء إلقاءه في النار كان 16 عاماً سوف يثبت لدينا أنه تحمل أعباء الرسالة منذ صباه، وللكلام تتمة.

لازال الكلام في قصة النبي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق... وقلنا: ليس عندنا دليل واضح على عمر إبراهيم (عليه السلام) حينما تقلد مقام النبوة، ولكن نستفيد من سورة مريم، أنه أثناء محاورته لعمه كان من الأنبياء.....

خمس صفات بارزة:

يتحدث القرآن الكريم عن مصداق كامل للعبد الشكور لله، ألا وهو "إبراهيم" بطل التوحيد.

ويشير إلى خمس من الصفات الحميدة التي كان يتحلى بها إبراهيم (عليه السلام).

1- (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً...)[1].

وقد ذكر أسباباً كثيرة للتعبير عن إبراهيم (عليه السلام) بأنه أمة وأهمها أربع:

الأول: كان لإبراهيم شخصية متكاملة جعلته أن يكون أمة بذاته، وشعاع شخصية الإنسان في بعض الأحيان يزداد حتى ليتعدى الفرد والفردين والمجموعة فتصبح شخصيته تعادل شخصية أمة بكاملها.

الثاني: كان إبراهيم (عليه السلام) قائداً وقدوة حسنة ومعلماً كبيراً لإنسانية، ولذلك أطلق عليه (أُمَّةً)؛ لأن (أمة) اسم مفعول يطلق على الذي تقتدي به الناس وتنصاع له.

الثالث: كان إبراهيم (عليه السلام) موحداً في محيط خال من أي موحد، فالجميع كانوا يخوضون في وحل الشرك وعبادة الأصنام، فهو والحال هذه (أمة) في قبال أمة المشركين الذين حوة.

الرابع: كان إبراهيم (عليه السلام) منبعاً لوجود أمة، ولهذا أطلق القرآن عليه كلمة أمة.

نعم فقد كان إبراهيم أمة وكان إماما عظيما، وكان رجلاً صانع أمة، وكان منادياً بالتوحيد وسط بيئة اجتماعية خالية من أي موحد.

1- صفته الثانية: أنه كان (قَانِتًا للهِ).

2- وكان دائما على الصراط المستقيم سائرا على طريق الله، طريق الحق (حَنِيفًا).

3- (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بل كان نور الله يملأ كل حياته وفكرة، ويشغل كل زوايا قلبه.

4- وبعد كل هذه الصفات، فقد كان (شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ).

وبعد عرض الصفات الخمسة يبين القرآن الكريم النتائج المهمة لها، فيقول:

1- (اجْتَبَاهُ) للنبوة وإبلاغ دعوته.

2- (وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) وحفظه من كل انحراف، لأن الهداية لا تأتي لأحد عبثا، بل لابد من توفر الاستعداد والأهلية لذلك.

3- (وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً). "الحسنة" في معناها العام كل خير وإحسان، من قبيل منح مقام النبوة مرورا بالنعم المادية حتى نعمة الأولاد وما شابهها.

4- (وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ).

5- وختمت عطايا الله عز وجل لإبراهيم (عليه السلام) لما ظهر منه من صفات متكاملة بأن جعل دينه عاما وشاملا لكل ما سيأتي بعده من زمان وخصوصا للمسلمين ولم يجعل دينه مختصا بعصر أهل زمانه، فقال الله عز وجل: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً).

إن منهج القرآن من أجل التأكيد على تعاليمه القيمة يعتمد في كثير من الموارد طريقة الاستشهاد بنماذج أساسية في عالم الإنسانية والحياة، وبعد التشديد السابق الذي مر بنا في تجنب عقد الولاء لأعداء الله، يتحدث القرآن الكريم عن إبراهيم (عليه السلام) ومنهجه القدوة كنموذج.

 


[1] سورة النحل، ص 120.