قليلٌ هم الرجال الذين ثبتت أَقدامهم على العقيدة الحقة رغم أَنهم قد عاشوا في قصور الظالمين وبلاط السلاطين، لأَن حياة الترف والمنصب من جهة، والخوف من كشف الاعتقاد من جهة أُخرى يُضعضعانِ من عقيدة الإِنسان في الأَعم الأَغلب، ويُضعفانِ من يقينهِ، لكن شخصيتنا التي نروم التعرض لسيرتها عاش تلك الحياة، وكان وزيراً في دولة الظالمين، لكنه لم يتزلزل يقينه، ولم يزغ قلبه، ولم يُغيّر ما عليه من إيمان بالله تعالى، وولاء لأهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام)، نعم إنه «أبو الحسن علي بن يقطين الأسدي الكوفي البغدادي».
وُلِدَ عليُّ بن يقطين سنة (124) هـ في الكوفة، كان يقطين والد عليٍّ من دعاة بني العباس، فتعقبّه مروان الحمار ففرَّ من موطنه الكوفة، كما فرت أمّ عليٍّ مع ابنها هذا وأخيه عبيدُ إِلى المدينة، وبعد استقرار واستتباب الحكم لبني العباس رجعوا إلى الكوفة.
لا شكَّ ولا ريب في عقيدة علي بن يقطين وأبيه، وولائهم لأهل البيت(عليهم السلام)، لكن الظروف التي تحيط بهم تُحتِّم عليهم كتمان عقيدتهم، وإخفاء توجهاتهم، فقد روى المجلسي في البحار: أَنَّهُ كتبَ إِلى أَبي الحسن مُوسى بن جعفر(عليه السلام): أَنَّ قلبي يضيقُ ممَّا أَنا عليه من عمل السُّلطان -وكان وزيراً لهارُونَ- فإِنْ أَذنت لي -جعلني اللهُ فداك- هربتُ منه، فرجع الجوابُ: «لا آذَنُ لك بالخروج من عملهمْ واتَّقِ اللهَ»[1]، فكان على صلة وثيقة بالإمام الكاظم (عليه السلام)، يعمل بإرشاده على إغاثة المظلومين حتى قال فيه: «يَا عليُّ: إِنَّ للهِ أَولياءَ مع أَولياءِ الظَلَمةِ يَدْفعُ بهم عن أَوليائهِ، وأَنت منهم يَا عَليُّ»[2]، وقد حاول عدّة مرات أن يشيّعَ هارون الرشيد، حتى أراد هارون إهلاكه لو لم تتداركه رحمة من ربّه. مؤسسة الإمام الصادق(عليه السلام)[3].
كان علي بن يقطين يبيع التوابل في بادئ الأَمر، ثمَّ شقَّ طريقه إلى البلاط العبَّاسي، فأَصبح من بطانة المهدي، وبعدها أصبح وزيراً لهارون الرشيد.
عاصر علي بن يقطين الإمامين الصادق والكاظم(عليه السلام)، فقد روي أن علياًّ وعبيداً ابني يقطين أُدخلا على أَبي عبد اللهِ الصَّادق(عليه السلام)، فقال: «قَرّبوا مِنّي صاحبَ الذؤابتين -وكان عليّاً- فقُرّب منهُ فضمّهُ إِليهِ وَدَعا لهُ بخير»[4]، وقالَ الإمام الكاظم(عليه السلام) فيه: «إنّي أُحِبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي»[5]، «أما أنا فأشهد أنّه من أهل الجنة»[6].
كُسِفَ نورُ هذا الكوكب الدُّري في بغدادَ سنة (182) للهجرة، وعمره (57) سنة، وكان الإمام الكاظم(عليه السلام) محبوساً في سجن هارون الرشيد.
المصدر: مجلة اليقين العدد (36)، الصفحة (11).