روي أنّ عبد الله بن نافع الأزرق كان يقول للناس: لو أنّي علمت أنّ بين قطريها أحداً تبلغني إليه المطايا، يخصمني أنّ علياً قتل أهل النهروان وهو غير ظالم لهم، لرحلت إليه.
فقيل له: ولا في ولده؟
فقال ابن نافع: أفي ولده عالم؟
فقيل له: هذا أوّل جهلك، وهل يَخلُونَ من عالم؟!
قال ابن نافع: فمن عالمهم اليوم؟
قيل له: محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ(عليهم السلام).
فشدّ الرحال للمدينة، فلما وصلها طلب الإذن في الدخول على أبي جعفر(عليه السلام).
فقيل للإمام (عليه السلام): هذا عبد الله بن نافع الأزرق.
فقال الإمام (عليه السلام): وما يصنع بي وهو يبرء منّي ومن أبي طرفي النهار.
فقال أحد مجالسي الإمام وهو أبو بصير الكوفي: جُعلت فداك إنَّ هذا يزعم أنّه لو علم أنّ بين قطريها أحداً تبلغه المطايا إليه يخصمه أنّ عليّاً (عليه السلام) قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه.
فقال الإمام للكوفي: أتراه جاءني مناظراً؟
قال الكوفي: نعم.
قال الإمام(عليه السلام): يا غلام اخرج فحطّ رحل عبد الله بن نافع الأزرق وقل له: إذا كان الغد فأتنا.
فلمّا أصبح الصباح كان ابن نافع بين أصحاب الإمام(عليه السلام)، فبعث أبو جعفر(عليه السلام) إلى جميع أبناء المهاجرين والأنصار فجمعهم، ثمَّ خرج إلى الناس في ثوبين ممغّرين، وأقبل على الناس كأنّه فلقة قمر، فقال: الحمد لله محيّث الحيث، ومكيّف الكيف، ومؤيّن الأين، الحمد لله الّذي ﴿لا تَأخذه سنّة وَلا نَوم لَه مَا في السموات وَمَا في الأرض..﴾البقرة:255، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، الحمد لله الّذي أكرمنا بنبوّته، واختصّنا بولايته، يا معشر أبناء المهاجرين والأنصار من كانت عنده منقبة في عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فليقم وليتحدَّث ؟، فقام الناس فسردوا تلك المناقب، حتى انتهوا في المناقب إلى حديث خيبر «لأعطينَّ الرَّاية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّاراً غير فرّار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه»[1].
فتوجه الإمام نحو ابن نافع قائلا: ما تقول في هذا الحديث؟
فقال ابن نافع: هو حقٌّ لا شكّ فيه، وأنا أعلم لهذه المناقب من هؤلاء، وإنّما أحدث عليٌّ الكفر بعد تحكيمه الحكمين.
فقال الإمام: أحبَّ الله عليّا يوم أحبّه وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان أم لم يعلم؟
قال ابن نافع: إن قلت: لا، كفرت، نعم قد علم.
قال الإمام: فأحبّه الله على أن يعمل بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته؟
فقال ابن نافع: على أن يعمل بطاعته.
فقال له الإمام أبو جعفر (عليه السلام): فقم مخصوماً.
فقام عبد الله بن نافع الأزرق وهو يقول: ﴿حتّى يتبيّن لَكُم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر﴾ البقرة:187، (والله أعلم حيث يجعل رسالته)[2].
المصدر: مجلة اليقين، العدد (17)، الصفحة (8 - 9).