1 - عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ يَسْأَلُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: (بَدِيعُ السَّماواتِ والأَرْضِ)، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ ابْتَدَعَ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِعِلْمِه عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ كَانَ قَبْلَه فَابْتَدَعَ السَّمَاوَاتِ والأَرَضِينَ ولَمْ يَكُنْ قَبْلَهُنَّ سَمَاوَاتٌ ولَا أَرَضُونَ أمَا تَسْمَعُ لِقَوْلِه تَعَالَى: (وكانَ عَرْشُه عَلَى الْماءِ)».
فَقَالَ لَه حُمْرَانُ أرَأَيْتَ قَوْلَه جَلَّ ذِكْرُه: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِه أَحَداً)، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ(عليه السلام): (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)، وكَانَ والله مُحَمَّدٌ مِمَّنِ ارْتَضَاه وأَمَّا قَوْلُه: (عالِمُ الْغَيْبِ)، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ عَالِمٌ بِمَا غَابَ عَنْ خَلْقِه فِيمَا يَقْدِرُ مِنْ شَيْءٍ ويَقْضِيه فِي عِلْمِه قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَه وقَبْلَ أَنْ يُفْضِيَه إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَذَلِكَ يَا حُمْرَانُ عِلْمٌ مَوْقُوفٌ عِنْدَه إِلَيْه فِيه الْمَشِيئَةُ فَيَقْضِيه إِذَا أَرَادَ ويَبْدُو لَه فِيه فَلَا يُمْضِيه فَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي يُقَدِّرُه الله عَزَّ وجَلَّ فَيَقْضِيه ويُمْضِيه فَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي انْتَهَى إِلَى رَسُولِ الله(صلى الله عليه وآله) ثُمَّ إِلَيْنَا»[1].
2- عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الإِمَامِ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَالَ: «لَا ولَكِنْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ الشَّيْءَ أَعْلَمَه الله ذَلِكَ»[2].
3- عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ فَقَالَ لَه أتَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، فَقَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يُبْسَطُ لَنَا الْعِلْمُ فَنَعْلَمُ ويُقْبَضُ عَنَّا فَلَا نَعْلَمُ وقَالَ سِرُّ الله عَزَّ وجَلَّ أَسَرَّه إِلَى جَبْرَئِيلَ (عليه السلام) وأَسَرَّه جَبْرَئِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) وأَسَرَّه مُحَمَّدٌ إِلَى مَنْ شَاءَ الله»[3].
الشرح:
سَأَلَ أَبَا الْحَسَنِ(عليه السلام) رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ فَقَالَ لَه: (أتَعْلَمُونَ الْغَيْبَ؟)، والمراد بالغيب كل ما لا تتناوله الحواس من الأُمور الكائنة في الحال أو الماضي أو الاستقبال.
فأجابه الإمام(عليه السلام): «يُبْسَطُ لَنَا الْعِلْمُ فَنَعْلَمُ»، لعلّه إشارة إلى أن العلم بالغيب قسمان:
أحدهما: حاصل لهم بإعلامه تعالى، والثاني: مختص به تعالى كعلمه بخطرات النفوس وعزمات القلوب ونظرات العيون كما قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[4]، أو إشارة إلى أن علم الغيب هو العلم الذي لا يكون مستفاداً عن سبب يفيده، وذلك إنّما يصدق في حقّه تعالى إذ كلّ علم الذي علم سواه فهو مستفاد من بسطه وجوده إمّا بواسطة أو بلا واسطة، ولا يكون علم غيب بلا طلاعات على أمر غيبي لا يتأهّل عليه كلّ الناس بل يختص بنفوس خصّت بعناية إلهية كما قال تعالى شأنه: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)[5]، أو إشارة إلى أن لهم بسطاً وقبضاً، فبسطهم عبارة عن حصول الصور الكائنة عند نفوسهم القادسة بالفعل فهم يعلمونها، وقبضهم عبارة عن عدم حصولها لها بالفعل، وإن كانت في الخزانة بحيث يحصل لهم لمجرّد توجّه النفس وهم يسمّون هذه الحالة عدم العلم.
وقوله(عليه السلام): «وقَالَ سِرُّ الله عَزَّ وجَلَّ»، أي: البسط والقبض سرّ، أو حصول العلم بالغيب وعدم حصوله بسبب البسط والقبض سرّ الله أسرّه أي: أظهره.
وأراد بقوله(عليه السلام): «إِلَى مَنْ شَاءَ الله»، علياً(عليه السلام) وفيه دلالة على أن الإظهار له(عليه السلام) بمشيئة الله وإرادته.
وجاء في الرواية الأولى أن حمران قال للإمام الباقر(عليه السلام)، أرَأَيْتَ قَوْلَه جَلَّ ذِكْرُه: (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِه أَحَداً)، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الباقر(عليه السلام): (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)، لمّا توهم السائل اختصاص علم الغيب به تعالى نبّه(عليه السلام) بذكر الاستثناء على ثبوته لمن ارتضاه.
وبالجملة العلم قسمان: علم موقوف وهو العلم بالأشياء قبل إمضائها في حال المشيئة والإرادة والتقدير والقضاء فإنّها في هذه المراتب في محل البداء، فإذا تعلّق بهذا الإمضاء بعد القضاء خرجت عن حدّ البداء ودخلت في الأعيان، وعلم مبذول وهو العلم بالأشياء بعد تعلّق الإمضاء.
مجلة بيوت المتقين العدد (80)