من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة (عليهم السلام)

- عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ الْقَاسِمِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعْدٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ)، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): (إِنَّمَا نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ عَدُوُّنَا وشِيعَتُنَا أُولُو الأَلْبَابِ)[1].

الشرح:

قول الله عز وجل: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)، هذه الآية تخاطب الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالقول: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ والجواب: كلا، إنهم غير متساوين، والاستفهام للإنكار والمقصود نفي المساواة بين من توجد له حقيقة العلم وبين من لا توجد.

وقوله تعالى: (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ) إشارة إلى أنّ التفاوت بين العالم والجاهل لا يعرفه إلا أرباب العقول الكاملة ولا شك في أن السؤال المذكور أعلاه سؤال شامل، وأنه يقارن ما بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، أي بين العلماء والجهلة، لأنه قبل طرح هذا السؤال، كان هناك سؤال آخر قد طرح، وهو: هل يستوي المشركون والمؤمنون الذين يحيون الليل بالعبادة، فالسؤال الثاني يشير أكثر إلى هذه المسألة وهو: هل أن الذين يعلمون بأن المشركين المعاندين لا يتساوون مع المؤمنين الطاهرين، يتساوون مع الذين لا يعلمون بهذه الحقيقة الواضحة؟

وعلى أية حال فهذه العبارة التي تبدأ باستفهام استنكاري، توضح أحد شعارات الإسلام الأساسية وهو سمو وعلو منزلة العلم والعلماء في مقابل الجهل والجهلة، ولأن عدم التساوي - هذا - ذكر بصورة مطلقة، فمن البديهي أن تكون هاتان المجموعتان غير متساويتين عند البارئ، عز وجل، وغير متساويين في وجهة نظر العقلاء، ولا يقفون في صف واحد في الدنيا، ولا في الآخرة وأنهم مختلفون ظاهراً وباطناً.

وتتضمن هذه الآية إشارات لطيفة ونقاط مهمة:

1- تبدأ الآية بالدعوة إلى العمل وبناء الذات وتنتهي بالعلم والمعرفة، لأن من لم يبن ذاته، لا تشع أنوار المعرفة من قلبه، حيث لا يمكن أصلا فصل العلم عن بناء الذات.

2- مما يلفت الانتباه أن نهاية الآية تقول: إن الفرق بين الجاهل والعالم لا يدركه سوى أولي الألباب؛ لأن الجاهل لا يدرك قيمة العلم! وفي الحقيقة أن كل مرحلة من مراحل العلم هي مقدمة لمرحلة أخرى.
3- العلم في هذه الآية لا يعني معرفة مجموعة من المصطلحات وإنما يقصد به المعرفة الخاصة التي تدعو الإنسان إلى طاعة البارئ عز وجل، والخوف من محكمته، وعدم اليأس من رحمته، هذه هي حقيقة العلم، وإن كانت العلوم الدنيوية تؤدي إلى ما ذكرناه آنفا، فهي علم أيضا، وإلا فهي سبب الغفلة والظلم والغرور والفساد في الأرض.

4- ان القرآن الحكيم استغل الكثير من المناسبات كي يوضح هذا الأمر، كما وردت في الروايات الإسلامية أحاديث تصور عدم وجود شيء أفضل من العلم، فقد ورد في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا خير في العيش إلا لرجلين: عالم مطاع، أو مستمع واع).

كما ورد حديث آخر عن الإمام الصادق عليه السلام، جاء فيه: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أن الأنبياء لم يُورثوا درهما ولا دينارا، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).

5- وتحدثت الآية عن ثلاث مجموعات، هم العلماء والجهلة وأولو الألباب، وقد شَخَّصهم الإمام الباقر (عليه السلام) في الحديث، عندما قال: (إِنَّمَا نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ عَدُوُّنَا وشِيعَتُنَا أُولُو الأَلْبَابِ).

6- ورد في الحديث أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خرج ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجها إلى داره وقد مضى ربع من الليل ومعه كميل بن زياد وكان من خيار شيعته ومحبيه فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت ويقرأ قوله تعالى (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ) بصوت شجي حزين، فاستحسن ذلك كميل في باطنه، وأعجبه حال الرجل من غير أن يقول شيئا، فالتفت إليه (عليه السلام) وقال: (يا كميل لا تعجبك طنطنة الرجل، إنه من أهل النار، وسأنبئك فيما بعد)، فتحيّر كميل لمشافهته له على ما في باطنه، وشهادته للرجل بالنار مع كونه في هذا الأمر، وفي تلك الحالة الحسنة ظاهرا في ذلك الوقت، فسكت كميل متعجبا متفكرا في ذلك الأمر، ومضى مدة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل، وقاتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانوا يحفظون القرآن كما أنزل، والتفت أمير المؤمنين إلى كميل بن زياد وهو واقف بين يديه، والسيف في يده يقطر دما ورؤوس أولئك الكفرة الفجرة محلقة على الأرض، فوضع رأس السيف من رأس تلك الرؤوس، وقال: يا كميل (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً)، أي هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ في تلك الليلة فأعجبك حاله، فقبّلَ كميل مُقدَّم قدميه، واستغفر الله[2].

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من شيعتهم، وممن يسير على نهجهم (عليهم السلام) حتى نُكتب من أولي الألباب.

مجلة بيوت المتقين العدد (56)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج ١، ص212.

[2] إرشاد القلوب: ج2، ص226.