المحتوم (الذي لله فيه المشيئة)

وهو ما يكون الإخبار فيه عن تحقق العلة التامة، بجميع أجزائها وشرائطها، وفقد الموانع، بحيث يصبح وجود المعلول ـ الحدث ـ أمراً حتمياً، لا يغيّره سوى تدخّل الإرادة الإلهية، فمثلاً قد اعتدنا: أن يسير توالد الناس، والموت، والحياة، على وتيرة واحدة، ويتم بالأسباب المعروفة.

كما أن ثبات الأرض والجبال، وتماسكها، وثقلها، واستقرارها هو السنّة التي ألفناها وعرفناها في جميع مقاطع حياتنا.

ولكن مشيئة الله سبحانه، قد تلغي ذلك كما في قضية ولادة عيسى ـ بل هي سوف تلغي حتماً ـ هذه الحالة عند انتهاء أمد الدنيا ـ وبذلك تكون نفس مشيئته، وليس فقد الشرط، ولا وجود الموانع سبباً في وقف التوالد، وفي صيرورة الجبال كالعهن المنفوش. نعم، إن ذلك كله سيكون، من دون أن يحدث أي خلل أو نقص في العلة التامة، وقد سمّي هذا القسم بـ (المحتوم) وعبّر عن تدخل المشيئة الإلهية فيه بـ(البداء)، وقد صرحت الرواية المتقدمة بهذا حيث قالت: ...فقال له حمران: ما المحتوم؟، قال (عليه السلام): (الذي لله فيه المشيئة).

وفي مقابل ذلك: مالا يمكن أن يتغير بحالٍ مع قدرته تعالى على ذلك لأن التغيير فيه يتنافى مع صفاته الربوبية.

فمثلاً: الله قادر على فعل القبيح، وعلى الظلم، ولكن يستحيل صدوره منه: (وَلايَظْلِمُرَبُّكَأَحَدًا)[1]، لأن ذلك يتنافى مع عدل الله سبحانه، ومع كونه لا يفعل القبيح.

وكذا الحال بالنسبة إلى كل ما يتنافى مع حكمته ورحمته، وخلف الوعد أيضاً من هذا القبيل، فيستحيل منه تعالى، وقد جاء في الرواية بأن قيام القائم (عجل الله فرجه الشريف) من هذا القبيل، أي من الميعاد، والله سبحانه لا يخلف الميعاد، عن عبد الله الخالنجي، قال : حدثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يبدو لله في المحتوم ؟ قال (عليه السلام): نعم.
قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم.

فقال (عليه السلام): (إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد)[2].

وقد تبين أن أخبار العلامات على ثلاثة أصناف:

الأول: ما ليس بمحتوم وهي التي يمكن أن يعتريها التغيير والبداء.

الثاني: العلامات المحتومة وهي ما كان لله فيها المشيئة، أي قد تقتضي المصلحة الإلهية وقوع التغيير والبداء فيها.

الثالث: العلامات المحتومة التي لا يتدخل الله سبحانه وتعالى فيها مع قدرته على ذلك.

وأخيراً إنَّ ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وقيامه بالحق والعدل هو مُرتبط كلياً بإرادة الله تعالى النافذة وجودياً، ومرتبط بظروف وشروط مرحلة التحقق والوقوع فعليّاً، وهذه الظروف والشروط تتحقق قُبيل وقتها بما يضمن حتميَّة تحقق الظهور الشريف وقيام دولة الحق الإلهيّة في الأرض.

 عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ: (إِيَّاكُمْ والتَّنْوِيه، أَمَا واللَّه لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، ولَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ مَاتَ قُتِلَ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ، ولَتَدْمَعَنَّ عَلَيْه عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ ولَتُكْفَأنَّ  كَمَا تُكْفَأُ السُّفُنُ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ، فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَه، وكَتَبَ فِي قَلْبِه الإِيمَانَ وأَيَّدَه بِرُوحٍ مِنْه، ولَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ قَالَ فَبَكَيْتُ ثُمَّ قُلْتُ فَكَيْفَ نَصْنَعُ قَالَ فَنَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه تَرَى هَذِه الشَّمْسَ قُلْتُ نَعَمْ، فَقَالَ واللَّه لأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِه الشَّمْسِ)[3].

يبقى السؤال: ما هو تكليفنا في زمن الغَيبة؟، لماذا الانتـظار؟، ما هـي طبيـعته ؟، ما هو مردوده النفـسي والاجتماعي؟، هذا ما سنتحدث عنه في الحلقات القادمة من هذه السلسلة المباركة  إن شاء الله تعالى.

 


[1] سورة الكهف: آية49.

[2] الغَيبة للنعماني: ص315.

[3] الكافي للكليني:ج1،ص336.