قيل: إنّ الشاه خدابند السلطان غياث الدين، المعروف خدابند (عبد الله)، ملك العراق وخراسان وأذربيجان، غضب يوماً على زوجته وقال لها: أَنتِ طالق ثلاثاً، ثمّ ندم وجمع العلماء، لإيجاد مخرج لإرجاعها في عصمته، فسألهم ما الوجه في ذلك.
فقال العلماء: لابدّ من المحلّل، فقال الشاه: عندكم في كلِّ مسألة أقاويل أو ليس لكم هنا اختلاف؟
فقال العلماء: لا، فقال وزير الشاه: إنّ عالماً بالحلّة ـ يقصد (العلّامة الحلي) ـ يقول ببطلان هذا الطلاق.
فأمر الشاه بإحضاره، فقال العلماء: إنّ له مذهباً باطلاً، وهو رافضي ولا عقل للروافض ـ اسم أطلق على الشيعة من مبغضيهم للاستهانة بهم، بسبب موالاتِهم علياً وأهل بيته (عليهم السلام) - ولا يليق بالملك أن يبعث بطلب رجل خفيف العقل، قال الشاه: بل لا بدَّ من حضورهِ، وفي أَثناء هذا دُعي جميع علماء المذاهب الاربعة.
فلمّا دخل العلاّمة أَخذ نعليه بيده، ودخل المجلس، وقال: السلام عليكم، وجلس عند الملك، فقال العلماء للشاه: ألم نقل لك إنّهم ضعفاء العقول، قال الشاه: اسألوه في كلِّ ما فعل، فقال العلماء للحلي: لِمَ لَمْ تسجد للملك؟ قال العلامة الحلي: إنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان ملكاً وكان يُسلم عليه، وقال تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً)[1]، ولا خلاف بعدم جواز السجود لغير الله، فقال العلماء: لِمَ جلست عند الملك؟ قال الحلي: لم يكن مكان غيره، فقال العلماء: لِمَ أخذت نعلك معك، وهذا ممّا لا يليق بعاقل؟ قال الحلي: خفت أن يسرقه الحنفيّة كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله!!
فصاح ممن هو حاضر من الحنفيّة: حاشا وكلاّ، متى كان أبو حنيفة في زمان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بل كان تولّده بعد الماْئة من وفاته، فقال الحلي: نسيت لعل السارق كان الشافعي! فصاح ممن حضر من الشافعيّة كذلك، وقالوا: تولّد الشافعي في يوم وفاة أَبي حنيفة، ونشؤه في الماْئتين بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)، فقال الحلي: لعلّه كان مالكاً! فصاحت المالكية كالأوّلين، فقال الحلي: لعلّه كان أحمد! ففعلت الحنبليّة كذلك.
فقال الحلي للشاه: أيّها الملك علمت أنّ رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولا الصحابة، فهذه إحدى بدعهم أنّهم اختاروا من مجتهديهم هذه الأربعة، ولو كان فيهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوّزون أن يجتهد، بخلاف ما أفتى واحد منهم، فسأل الملك الحاضرين: ما كان واحد منهم في زمان رسول الله(صلى الله عليه وآله) والصحابة؟! فقال الجميع: لا، فقال الحلي للملك: ونحن معاشر الشيعة تابعون لأمير المؤمنين(عليه السلام) نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأخيه وابن عمّه ووصيّه، وعلى أيّ حال فالطلاق الذي أوقعته باطل لأنّ شروطه لم تتحقّق، ومنها العدلان، فهل قال الملك بمحضرهما؟ فقال الملك: لا، ثمّ شرع الحلي في مناقشة العلماء فسأله أحدهم ويدعى الموصلي وهو من الأشراف: ما الدليل على جواز الصلاة على غير الأنبياء؟ قال الحلي: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ)[2]، فقال الموصلي: ما المصيبة الّتي أصاب آله حتّى تستوجب لها الصلاة؟ فقال الحلي: من أَشنع المصائب وأشدّها أن حصل من ذراريهم مثلك، الّذي يرجّح المنافقين الجهال المستوجبين اللعنة والنكال على آل رسول الملك المتعال.
مجلة اليقين، العدد (24)، الصفحة (8 - 9).