بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.
لا زِلْنا نعيشُ ذِكْرَى شَهَادةِ الصَّدِّيقةِ الطَّاهرةِ فَاطمةَ الزَّهراءِ (عليها السلام)، وَهَا نحنُ دَخَلْنا في المناسبةِ الثانيةِ بحسبِ الروايةِ التي تقول أنها (عليها السلام) عاشت بعد شهادة أبيها (صلى الله عليه وآله) (75)، وَلا زِلْنا نعيشُ أَلمَ وحُزْنَ تلكَ المصيبةِ التي تتجدّد في كُلِّ ذِكْرى تمرُّ عليْنا، نستذكرُ تلك الفاجعةَ الأَليمةَ التي يتفجّعُ لها قلبُ كُلِّ مؤمن ومؤمنة، وتدمعُ لها عيونُ الأَبرار، ذلكَ المصابُ الذي يبقى طَريِّاً على كَرِّ الزَّمانِ وصُروفِ اللَّيالي والأَيام؛ ويبقى نديّاً كُلّما أَرادَ البعضُ تجفيفَهُ، وقطعَهُ عن عالَمِ الحقيقةِ والتَّصديقِ، نَعم.. إِنَّها الزَّهراءُ (عليها السلام)، وهذا مصابُها الذي هَدَّ أركانَ الأَرضِ والسَّماءِ؛ لِأَنّها أُمُّ أَبيها، وَبَضْعَةُ لَحْمِهِ، وَصَمِيمُ قَلْبِهِ، وَفِلْذَةُ كَبِدِهِ، وَالنُّخْبَةُ مِن الله تعالى لِرسول اللهِ (صلى الله عليه وآله)، وَالتُّحْفَةُ التي خُصِّصَ بِهَا الوَصِيُّ (عليه السلام)، وَحَبِيبَةُ الْمُصْطَفَى (صلى الله عليه وآله) وَقَرِينَةُ الْمُرْتَضَى (عليه السلام)، وَسَيِّدَةُ النِّسَاءِ، حَلِيفَةُ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ، وَ تُفَّاحَةُ الْفِرْدَوْسِ وَالْخُلْدِ، الَّتِي شُرِّفَ مَوْلِدُهَا بِنَسَاءِ الْجَنَّةِ، وَاسْتُلَّ مِنْهَا أَنْوَارُ الْأَئِمَّةِ، وَأُرخيَ دُونَهَا حِجَابُ النُّبُوَّةِ، بلْ هي روحُ النَّبيِّ (صلى الله عليه وآله) التي بينَ جنبيهِ! نعمْ هيَ الزَّهراءُ (عليه السلام) وهذهِ منازلُها ومقاماتُها التي وَضَعَها اللهُ تعالى ورسولُهُ (صلى الله عليه وآله) فيها، وهي ذاتُها المقاماتُ والمنازلُ التي لم تحْفَظها هذهِ الأُمّةُ لها! ورسول الله (صلى الله عليه وآله) دائماً يردد ويؤكد: (احْفَظُوني في أَهْلِ بَيْتِي)[1]، ط حجرية، وقال (صلى الله عليه وآله): (أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنا بَشَرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا: كِتَابُ اللهِ، فيه الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ..، ثُمَّ قال: وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ في أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللهَ في أَهْلِ بَيْتِي)[2]، لَكنَّ الأُمّةَ عكستْ كلَّ مَا أَرادَهُ اللهُ ورسولُهُ (صلى الله عليه وآله) لأَهلِ هذا البيتِ (عليهم السلام) من التقديرِ والِإكرامِ، فهدّدُوا وروّعُوا وأَحرقُوا، وأَخمدُوا شمعتَهُ بِكَسْرِ الضِّلعِ وإِسقاطِ الجنين، وراحُوا يُهدِّدون إِمامةَ الأُمّةَ وخِلافةَ الحقِّ بالقتلِ والإِبادة، فَجَرّتْ بعد تلكَ الجرأةِ الوَيْلاتُ والمَصَائبُ على ساداتِ الأُمّةِ وأَعلامِها اللَّائِحة، (فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ، وَسُبِيَ مَنْ سُبِيَ، وَأُقْصِيَ مَنْ أُقْصِيَ، وَجَرى القَضاء لَهُمْ بِما يُرْجى لَهُ حُسْنُ المَثُوبَةِ، إِذْ كانَتِ الارْضُ للهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، وَالعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ
مجلة اليقين العدد (46)