مسجد القبلتين ثالث مساجد المدينة المنورة

  مسجد القبلتين ثالث مساجد المدينة المنورة

  يُعد مسجد القبلتين أحدَ المعالم المشهورة في المدينة النبوية، حيث يرتاده الكثير من الزوار المسلمين من شتى بلدان العالم، ولهذا المسجد أهميةٌ خاصة في التاريخ الإسلامي، فقد بُني هذا المسجد في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) في العام الثاني للهجرة النبوية المباركة حيث كان يصلي فيه قوم من بني سلمة.

   ويحتل مسجد القبلتين منزلة كبيرة في نفوس زوار طِيبة الطَّيبة، فهو ثالث المساجد بعد المسجد النبوي ومسجد قباء، والمكانة التي اكتسبها في نفوس الزائرين ترجع إلى القصة التي شهدها هذا المسجد، حيث تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة أثناء صلاة النبي (صلى الله عليه وآله) فيه.

موقع المسجد:

  يوجد المسجد على هضاب حرّة الويرة وتسمى بالحرّة الغربية وهي في منطقة بني سلمة على الطريق الشمالي الغربي للمدينة المنورة، ويبعد مسجد القبلتين بنحو 4 كيلو متر تقريبا عن المسجد النبوي الشريف.

سبب التسمية:

  روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى إلى بيت المقدس بعد البعثة ثلاث عشرة سنة بمكة، وتسعة عشر شهراً بالمدينة، ثم عيّرته اليهود، فقالوا له: إنك تابع لقبلتنا، فاغتم لذلك غماً شديداً، لأن ذلك يهيئ الفرصة لأعداء الإسلام لفتنة المؤمنين عن دينهم، وصد غيرهم عن التوجه إليه، والدخول فيه، وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ينتظر الإذن من الله بتحويل القبلة لتفويت الفرصة على أعدائه، الذين سوف لن يَدَعوه وشأنه على كل حال، فإذا صلى إلى قبلتهم عيّروه، وإذا تحوّل عنها، فسيقول السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وهذه هي طبيعة الإنسان الذي لا يرى نفسه مسؤولاً عن مواقفه وحركاته وكلماته، ولا ينطلق في مواقفه إلا من موقع السفه وعدم التثبت.

  وفي إحدى الليالي خرج(صلى الله عليه وآله) يقلّب وجهه في آفاق السماء، فلما أصبح صلى الغداة، فلما صلى ركعتين من الظهر جاءه جبرئيل ع فقال له: ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولِّينَّك قبلةً ترضاها، فولِّ وجهكَ شطرَ المسجدِ الحرامِ وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره)[1]، ثم أخذ بيد النبي(صلى الله عليه وآله) فحول وجهه إلى الكعبة، وحوّل من خلفه وجوههم، حتى قام الرجال مقام النساء، والنساء مقام الرجال، فكان أول صلاته إلى بيت المقدس، وآخرها إلى الكعبة، فبلغ الخبر مسجداً بالمدينة وقد صلى أهله من العصر ركعتين، فحوّلوا نحو الكعبة، فكان أول صلاتهم إلى بيت المقدس، وآخرها إلى الكعبة، فسُمي ذلك المسجد (مسجد القبلتين).

وقد استقبل اليهود هذا التحول بغيظ شديد فتساءلوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فنزل الوحي الإلهي:(قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)[2].

  وبعد أن حصل تحويل القبلة قال المسلمون: صلاتنا إلى بيت المقدس ضاعت؟ فأنزل الله (عز وجل): (وما كان الله ليُضِيع إيمانَكُم)[3]، يعني: صلاتــــكم إلى بيت المقدس.

الوصف المعماري للمسجد:

  بُني المسجد بالطراز المعماري الإسلامي الأصيل، ويتكون من طابقين ويحتوي على أماكن مخصصة للنساء لإقامة الصلاة، وفيه مكان خاص لتحفيظ القرآن الكريم.

وتبلغ مساحة المسجد الآن 3920 مترا مربعا تعلوه قبتان قطر الأولى 8 أمتار والثانية 7 أمتار وارتفاع كل منهما 18،8 متر تقريبا، كما توجد فيه مأذنتان جميلتان، كما يشتهر مسجد القبلتين بلونه الأبيض الناصع.

بناء المسجد وتطويره:

 خضع مسجد القبلتين لعدة توسعات حيث كان صغيرًا وعلى تل مرتفع، ثم وسِّع قليلا وكان له ساحتان منها ساحة لها محراب متجه للمسجد الأقصى، فهُدم بعد ذلك وأصبح المحراب على جهة المسجد الحرام.

 وقد تعاقبت على المسجد أعمال الترميم والتوسعة والتجديد ونذكرها كما يلي:

- أول من بناه وشيد بناءه هم بنو سواد بن غنم بن كعب وكان ذلك في عهد رسولنا الكريم سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله) في العام الثاني للهجرة النبوية المباركة، وكانت مواد البناء آنذاك هي اللبن والسعف وجذوع النخيل.

- تم تجديد المسجد والاعتناء به من قبل والي المـدينة المنـورة (عمر بن عبد العزيز) عام 87 هـ  الموافق 706م .

- ظـل المسجد على حالـه أكثـر من ثمانمـائة سنة إلى أن جـدّده الشجاعي شاهين الجمالي وهو كبير خدم المسجد النبوي في عام 893 هـ الموافق 1488م حيث قام بتعمير المسجد وترميمه وتجديد السقف.

- قام السلطان العثماني سليمان القانوني بتجديد وإعمار المسجد عام 950 هـ  الموافق 1943م.

- تم إعادة بناء المسجد وإعماره بأمر الملك عبد العزيز عام 1350هـ الموافق 1931م، حيث أمر بتجديد عمارته وتوسعته وبناء مئذنة وإقامة سور حوله وبلغت مساحة المسجد بعد هذه التوسعة (425 متراً مربعاً ).

- وفي عهد الملك فهد بن عبد العزيز تم هدم وإعادة بناء المسجد وتوسعته وفق أحدث التقنيات والتصاميم الهندسيـة مع إضفاء اللمسة الهندسيـة المعمارية ذات الطابع الإسلامي عليه.

- في سنة 1408هـ تم الانتهاء من توسعة وتجديد المسجد بالشكل الحالي وذلك بعهد فهد بن عبد العزيز آل سعود.

- في سنة 1426هـ تمت تحديثات لمصلى النساء تشمل إضافة دورات مياه جديدة وسلالم متحركة ومداخل.

المصدر: بيوت المتقين (26) شهر ذو القعدة 1436هـ

 


[1]     البقرة:144.

[2]     البقرة: 142.

[3]     البقرة: 143.