كونوا مع الصادقين

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[1].

أمر الله سبحانه بالصدق قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[2]، فهذا أمر من الله تعالى للمؤمنين المصدّقين بالله والمقرّين بنبوة نبيه بأن يتقوا معاصي الله ويجتنبوها وأن يكونوا مع الصادقين.
والصادق: هو القائل بالحق العامل به، لأنها صفة مدح لا تطلق إلا على من يستحق المدح على صدقه، فأما من فسق بارتكاب الكبائر فلا يطلق عليه اسم صادق ولذلك مدح الله الصادقين وجعلهم تالين للنبيين في قوله تعالى: (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً)[3])[4].
فمعنى (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أي: كونوا على مذهب من يستعمل الصدق في أقواله وأفعاله، وصاحبوهم ورافقوهم واقتدوا بهم، كقولك أنا مع فلان في هذه المسألة أي: أقتدي به فيها.

وقيل: المراد بالصادقين هم الذين ذكرهم الله في كتابه، وهو قوله تعالى: (مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ)[5]، يعني حمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام)، كما ورد في التفاسير.
وروى الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: كونوا مع الصادقين، مع علي (عليه السلام) وأصحابه.

وروى جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال: مع آل محمد (صلى الله عليه وآله). وقيل غير ذلك[6].

آثار الصدق:

 يعتبر الصدق من الصفات الحميدة، فما من نبي إلا وأمر به كما ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصادق(عليه السلام): (قَالَ: إِنَّ الله عَزَّ وجَلَّ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيّاً إِلَّا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ إِلَى الْبَرِّ والْفَاجِرِ)[7]، وهو من الصفات التي توجب الدنوّ من النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)والفوز بشفاعته العظمى، فقد ورد عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعة أصدقكم حديثا)[8]، وقال الإمام الصادق(عليه السلام): (إنَّ عَلِيّاً (عليه السلام) إِنَّمَا بَلَغَ مَا بَلَغَ بِه عِنْدَ رَسُولِ الله(صلى الله عليه وآله) بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ)[9]، فالإنسان الصادق يكون محبوباً بين الناس وينال ثقتهم في الحياة الدنيا ويبارك له في الرزق، ويفوز بالجنة في الآخرة، وينجيه من المهلكات، ويحصل على راحة وطمأنينة النفس، بينما الإنسان الكاذب يعدّ من المنافقين، ويعتبر شخصاً منبوذاً بين الناس، ولا ينال الثقة أبداً ولا الجنة.

 وعليه فيجب على المؤمن أن يكون صادقا؛ لأنّ الصدق يهدي الإنسان إلى البرّ والجنة، وقد قال علي (عليه السلام): (الصدق يهدي إلى البر، والبر يدعو إلى الجنة، وما يزال أحدكم يصدق حتى لا يبقى في قلبه موضع إبرة من كذب، حتى يكون عند الله صادقا)[10].
وقال أيضاً (عليه السلام) في خطبة طويلة: (أيها الناس، ألا فاصدقوا إن الله مع الصادقين، وجانِبُوا الكذب فإنه مُجانِب للإيمان، ألا إن الصادقَ على [شَفَا] مَنْجَاة وكَرَامة، ألا إن الكاذب على شَفَا رَدَى وَهَلَكة)[11].

أقسام الصدق:

الأول ـ الصدق في القول: وهو الإخبار عن الأشياء على ما هي عليه.

الثاني ـ الصدق في النية: وجعلها خالصة لله تعالى، بألا يكون له باعث في طاعاته، بل في جميع حركاته وسكناته، إلا الله تعالى.

الثالث ـ الصدق في العزم: أي الجزم على فعل الخير، فان كان في باطنه جازماً على هذا العزم، مصمما على العمل بمقتضاه، فعزمه صادق، وإن كان في عزمه نوع ميل وضعف وتردد، كان عزمه كاذباً.
الرابع ـ الصدق في الأعمال: وهو تطابق الباطن والظاهر بأن لا تدل أعماله الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به.

ومن جملة هذا الصدق: موافقة القول والفعل، فلا يقول ما لا يفعل ولا يأمر بما لا يعمل، فمن وَعَظَ ولم يتعظ في نفسه كان كاذباً، ومن هنا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي والله مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَةٍ ـ إِلَّا وأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا ـ ولَا أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَةٍ إِلَّا وأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا)[12].

مجلة بيوت المتقين العدد (42)

 


[1] التوبة: 119.

[2] التوبة: 119.

[3] النساء: 89.

[4] التبيان، الشيخ الطوسي: ج5، ص317.

[5] الأحزاب: 23.

[6] مجمع البيان، الطبرسي: ج5، ص139-140.

[7] الكافي، الكليني: ج2، ص104.

[8] الجعفريات: ص150.

[9] الكافي، الكليني: ج2، ص104.

[10] مشكاة الأنوار: ص 172.

[11] مشكاة الأنوار: ص 172.

[12] نهج البلاغة: ص250.