عاشوراء صيحة الخلود

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.

عاشوراء ليست كتلك الثورات والحركات البشرية التي نشدت الإصلاح والتحرّر، والتي أصبحت تأريخاً جافّاً يُستذكر في لمحات ولحظات تلفزيونية بعنوان (حدث في مثل هذا اليوم) أو (من ذاكرة التأريخ) أو غير ذلك، لأنها أوسع من صفحات كتاب أو سطور كاتب، وهي أبلغ من قصة ثورة حوتها دفّتا أسفارِ حوادث الزمان، لأنها في كل يوم وفي كل مكان تتفجّر بركاناً في وجدان المحرومين والمظلومين، وتنفض عنها غبار رفوف المكاتب لتخرج إلى واقع الإنسانية المكبّلة بسطوة الظلمة والمتسلّطين، فهي أكبر من وعاء الزمان والمكان اللذين يُقَولِبان قضية كقضية عاشوراء، بل هي تاريخ ماضٍ وحاضر مشهود، وهي جذوة مستعرة لا يخبو نورها، ولا يضعف سعيرها، تُلهب قلوب المظلومين روح التحرر، وتُضيء لهم درب الحرية والاستقلال والكرامة التي منحها الله تعالى لعباده منذ خلقهم على هذه البسيطة، وهي صرخة إلهية مدويةٌ تُرعب أهل الآثام والظلامات، وهي قصيدة الضمائر الحية والنفوس الأبية التي سطّرت في أبياتها كل معاني الحق والعدل والانتصاف لمحرومي الإنسانية.

نعم هي عاشوراء لمن لا يعرفها، أو عرفها ولم يتأملها، أو تأملها ولم يستفد من دروسها وعِبَرِها، فمن المفارقات الغريبة في عالمنا الإسلامي أنك تجد البعيدين عن تعاليم الإسلامي وعن رجالاته يتذوقون عاشوراء ومبادئها وأهدافها أكثر من المسلمين أنفسهم! فنقرأ في سطور بعض أَقلام الغربيين كالمستشرق الألماني ماربين حيث يقول: (قدّم الحسين للعالم درساً في التضحية والفداء من خلال التضحية بأَعز الناس لديه، ومن خلال إِثبات مظلوميته وأَحقيته، وأَدخل الإِسلام والمسلمين إِلى سجلِّ التاريخ ورفع صيتهما، لقد أَثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإِسلامي لجميع البشر أَن الظلم والجور لا دوام له، وأَن صَرْحَ الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظَّاهر، إِلا أَنه لا يعدو أَن يكون أَمام الحقِّ والحقيقةِ إِلا كريشةٍ في مهبِّ الرِّيح)[1]، وعلى العكس من ذلك عندما نقرأ كتابات ممن يحسبون على الإسلام تجدهم يقولون مثلا: أن الحسين(عليه السلام) قُتل بسيف جدّه! وأَنه رمى نفسه في التهلكة!

فالأمة التي تجهل قيمة أساطينها وأفذاذها وتتمسك بمن شوّه الإسلام وهدم أركانه فإنها أمة لا تحمل رسالة الإسلام أساساً، ولا يُكتب لها أن تكون الأمة الشاهدة على الأُمم الأخرى أبداً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

مجلة اليقين العدد (42)

 


[1] كتاب إقناع اللائم على إقامة المآتم، محسن الأمين: ص١٨٩.