- عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَرَّارٍ قَالَ كَتَبَ الْحَسَنُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْمَعْرُوفِيُّ إِلَى الرِّضَا (عليه السلام) جُعِلْتُ فِدَاكَ أَخْبِرْنِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ والنَّبِيِّ والإِمَامِ قَالَ فَكَتَبَ أَوْ قَالَ: (الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّسُولِ والنَّبِيِّ والإِمَامِ أَنَّ الرَّسُولَ الَّذِي يُنْزَلُ عَلَيْه جَبْرَئِيلُ فَيَرَاه ويَسْمَعُ كَلَامَه ويُنْزَلُ عَلَيْه الْوَحْيُ ورُبَّمَا رَأَى فِي مَنَامِه نَحْوَ رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) والنَّبِيُّ رُبَّمَا سَمِعَ الْكَلَامَ ورُبَّمَا رَأَى الشَّخْصَ ولَمْ يَسْمَعْ والإِمَامُ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلَامَ ولَا يَرَى الشَّخْصَ).
2- عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (وكانَ رَسُولاً نَبِيًّا)، مَا الرَّسُولُ ومَا النَّبِيُّ قَالَ: (النَّبِيُّ الَّذِي يَرَى فِي مَنَامِه ويَسْمَعُ الصَّوْتَ ولَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ والرَّسُولُ الَّذِي يَسْمَعُ الصَّوْتَ ويَرَى فِي الْمَنَامِ ويُعَايِنُ الْمَلَكَ قُلْتُ الإِمَامُ مَا مَنْزِلَتُه قَالَ يَسْمَعُ الصَّوْتَ ولَا يَرَى ولَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ ثُمَّ تَلَا هَذِه الآيَةَ: (وما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ)، ولَا مُحَدَّثٍ).
الشرح:
قال الإمام الباقر (عليه السلام): (النَّبِيُّ الَّذِي يَرَى فِي مَنَامِه ويَسْمَعُ الصَّوْتَ ولَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ)، أي النبيّ الّذي يرى المَلَك في منامه أو يرى الرّؤيا فيه نحو رؤيا إبراهيم (عليه السلام) ويسمع صوت المَلَك في اليقظة ولا يعاينه، ففيه خصلتان: (يَرَى فِي مَنَامِه ويَسْمَعُ الصَّوْتَ)، وفيما مر من الأخبار ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع، يعني ربما سمع كلام المَلَك في حال اليقظة من غير معاينة وربما رآه من غير سماع منه وربما اقتصر بالرُّؤية في المنام فلا منافاة بين هذه الأحاديث.
ثم قال (عليه السلام): (والرَّسُولُ الَّذِي يَسْمَعُ الصَّوْتَ ويَرَى فِي الْمَنَامِ ويُعَايِنُ الْمَلَكَ)، أي الرَّسول الّذي يسمع صوت المَلَك في اليقظة من غير معاينة ويراه أو يرى الرُّؤيا في المنام ويرى المَلَك مع سماع منه فاعتبر في هذا الخبر في النبيِّ ثلاث خصال وهي: (يَسْمَعُ الصَّوْتَ ويَرَى فِي الْمَنَامِ ويُعَايِنُ الْمَلَكَ).
ثم قال (عليه السلام) مبينا منزلة الإمام (عليه السلام): (يَسْمَعُ الصَّوْتَ ولَا يَرَى ولَا يُعَايِنُ الْمَلَكَ)، فللإمام خصلة واحدة وهي سماع الصوت فهو لا يرى ولا يعاين الملك، وهو عين قول الإمام الرضا (عليه السلام) في الرواية الأولى فـ: (الإِمَامُ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلَامَ ولَا يَرَى الشَّخْصَ)، وعدم ذكر معاينة الملك لانتفائها من باب أولى. وقد عبر عن الإمام في بعض الروايات بـ (مُحَدَّث).
3 - عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الأَحْوَلِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنِ الرَّسُولِ والنَّبِيِّ والْمُحَدَّثِ قَالَ: (الرَّسُولُ الَّذِي يَأْتِيه جَبْرَئِيلُ قُبُلاً، فَيَرَاه ويُكَلِّمُه فَهَذَا الرَّسُولُ، وأَمَّا النَّبِيُّ فَهُوَ الَّذِي يَرَى فِي مَنَامِه نَحْوَ رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ ونَحْوَ مَا كَانَ رَأَى رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) مِنْ أَسْبَابِ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْوَحْيِ حَتَّى أَتَاه جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) مِنْ عِنْدِ الله بِالرِّسَالَةِ وكَانَ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) حِينَ جُمِعَ لَه النُّبُوَّةُ وجَاءَتْه الرِّسَالَةُ مِنْ عِنْدِ الله يَجِيئُه بِهَا جَبْرَئِيلُ ويُكَلِّمُه بِهَا قُبُلاً ومِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ جُمِعَ لَه النُّبُوَّةُ ويَرَى فِي مَنَامِه ويَأْتِيه الرُّوحُ ويُكَلِّمُه ويُحَدِّثُه مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ يَرَى فِي الْيَقَظَةِ، وأَمَّا الْمُحَدَّثُ فَهُوَ الَّذِي يُحَدَّثُ فَيَسْمَعُ ولَا يُعَايِنُ ولَا يَرَى فِي مَنَامِه)[1].
الشرح:
قال الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): (قُبُلاً)، يقال: رأيته قبلاً بفتح القاف والباء وضمّهما وضمِّ الأوَّل وفتح الثاني وكسر الأوَّل وفتح الثاني أي مقابلة وعياناً.
ثم قال (عليه السلام): (ونَحْوَ مَا كَانَ رَأَى رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) مِنْ أَسْبَابِ النُّبُوَّةِ قَبْلَ الْوَحْيِ)، هذا صريح في أنَّ الرُّؤيا المتقدِّمة على إتيان جبرئيل (عليه السلام) ليست وحياً. وقد صرَّح به بعض العامّة أيضاً ـ نعم هي شبه الوحي في الصحّة إذ لا مدخل للشيطان فيها وإنّما الرَّؤيّة الّتي هي وحيٌّ ما كان بعد الإرسال وإنّما بدأ بالرُّؤيا قبل الوحي لأنَّ فجأة المَلَك وصريح الوحي لا تطيقه القوى البشريّة فبدأ بها ليأنس ويستعدَّ لعظم ما أُريد منه حتّى لا يأتيه المَلَك إلّا بعد تمهيد مقدَّماته.
وقوله (عليه السلام): (وكَانَ مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله) حِينَ جُمِعَ لَه النُّبُوَّةُ وجَاءَتْه الرِّسَالَةُ مِنْ عِنْدِ الله يَجِيئُه بِهَا جَبْرَئِيلُ ويُكَلِّمُه بِهَا قُبُلاً... الخ)، فهو صريح في اجتماع أسباب النبوَّة من الرُّؤية في المنام وسماع الصوت من غير معاينة وغيرها ممّا أوحاه جبرئيل (عليه السلام) وأسباب الرسالة وهي المعاينة وكلّمه عياناً ومواجهة في نبينا الخاتم محمد (صلى الله عليه وآله) فهو نبيٌّ ورسول، وقد أجمعت على ذلك الاُمّة سلفاً وخلفاً، ودل على ذلك الآيات والرِّوايات المتظافرة.
واعلم أنَّ رؤيا الأنبياء (عليهم السلام) لازمة الوقوع؛ لأنّها صادقة حقٌّ لا أضغاث أحلام ولا تخيّل ولا مدخل للشيطان وخبث الظاهر والباطن فيها. وأمّا رؤيا غيرهم فقد تصدق وقد لا تصدق.
أنواع الوحي:
قال السهيلي أنواع الوحي سبعة:
الأوَّل: الرُّؤيا الصادقة لقوله تعالى: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)[2].
والثاني: النفث في الروع لقوله (صلى الله عليه وآله): (وإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّه لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقُوا الله وأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ)[3].
والثالث: أنّه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وهو أشدُّ عليه وكان كذلك ليستجمع عنده تلك الحالة فيكون أدعى لما يسمع.
والرَّابع: أنَّ يمثّل له المَلَك رجلاً كما كان يأتيه في صورة دحية الكلبي. وكان دحية حسن الهيئة وحسن الجمال.
والخامس: أن يتراءى له جبرئيل (عليه السلام) في صورته الّتي خلق عليها، له ستّمائة جناح ينتثر منها الّلؤلؤ والياقوت.
والسادس: أن يكلّمه الله تعالى من وراء حجاب في اليقظة كما في ليلة الإسراء.
والسابع: ما ثبت أنَّ إسرافيل وكّل به (صلى الله عليه وآله) ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي ثمَّ وكّل به جبرئيل فجاءه بالقرآن.
مجلة بيوت المتقين العدد (35)