البعض من الناس يعيش العشوائية، وعدم الانضباط في السلوك، والتردد في القرار؛ لأنّه لم يرسمْ له سلوكاً يعتمد على مفاهيم حياتية واضحة، فتراه يأخذ ذات اليمين وذات الشمال في تقلبات الحياة المستمرّة، فلا يكاد يتضح له هدفٌ إلا وكان غامض المعالم مشوّش الصورة.
ومن أهمّ جوانب الحياة التي يرتبك الناس في تعيين وجهتهم فيها هو الجانب الأخلاقي، فلا بدّ من معرفة ماهي الأخلاق، واتضاح مفهومها، ليدرك الإنسان الطريق إليها واضحاً.
وبعيداً عن المصطلحات العلمية الصعبة، والتعابير المعقدة، نقول: الأخلاق أو الخُلُق: هي ما يظهر من آثار الطبع والسجية، وما ينعكس في السلوك من الصورة الباطنيّة للإنسان، كما أنَّ (الخَلْق) بالفتح عبارة عن الصورة الظاهرية للإنسان، ورد في الدعاء (اللهمَّ فَكَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي)[1] أي حسّن الظاهر والباطن.
هذه الصورة الباطنية يظهر جمالها أو قبحها أمام الناس، من خلال حسن وقبح الأفعال التي تصدر عنها، فإن كانت الأفعال الصادرة أفعالاً محمودة وحسنة عقلاً أو شرعاً سُمّيت تلك الهيئة (خُلقاً حسناً)، وإن كان الصادر عنها أفعالاً ذميمة وقبيحة شرعاً أو عقلاً سمّيت «خُلقاً سيّئاً».
ومن هنا تظهر العلاقة بين التشريع الإسلامي والأخلاق، إذ أنّ كلّ الشرائع السماوية كان الهدف من ورائها هو تكامل الإنسان ورقيِّه على جميع المستويات، الماديّة، والمعنويّة، والروحية، والجسدية، والأخلاقية، ليكون مؤهلاً لمنصب خلافة الله في أرضه، ويملأ الحياة بالفضائل، والقيم، والمعاني النبيلة السامية، من خلال قيامه بمقتضيات ذلك المنصب الإلهي أفضل قيام.
هذا من جهة عامة، أما شريعتنا الإسلامية بالخصوص، فإنها تمتاز عن غيرها بالشمول والعموم، فهي تحوي جميع ما جاءت به الشرائع السابقة من تعاليم دينية، وقيم أخلاقية، وأحكام شرعيّة، مع تغيير الصورة الخارجية، وزادت عليها الكثير، ونسخت منها الكثير، مما كان يصلح لظرف معيّن، وحال محدود، وكيف لا تكون كذلك وهي الشريعة الخاتمة.
فالشريعة الإسلامية، نظرية متكاملة الأسس والأبعاد، تضع أمام الإنسان منهجاً شاملاً، تنتظم مع مراعاته أدقّ تفاصيل حياته، وعلاقاته بهذا الكون.
ومن هنا نستطيع أن نضع للأخلاق الإسلامية مفهوماً واضحاً، وصورة ظاهرة الملامح، فهي الجامع لمحامد وفضائل السلوك البشري، المتمثل بمجموعة الأقوال والأفعال التي تقوم على أُصول وقواعد وفضائل وآدابٍ مرتبطةٍ ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة والشريعة الإسلامية، وذلك من خلال منابعها ومصادرها الأساسيّة، والتي هي القرآن الكريم، والسنّة الشريفة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
إذاً يتبيّن لنا أن الأخلاق الإسلامية ليست جزءاً من الدين بحيث يمكن التحليل والتفريق بينهما، بل هي جوهره وروحه، وهذا ما يظهر جليّاً من المروي عن النبي(صلى الله عليه وآله): «إنّما بعثت لاُتَمِّم مكارم الأخلاق»[2]، وقوله(صلى الله عليه وآله) أيضاً: «بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها»[3]، تقريراً منه(صلى الله عليه وآله) أن الغرض من الشريعة بكلّ تفاصيلها هو سموّ الإنسان وتكامله ووصوله إلى المرتبة السلوكية التي تحقق له السعادة في دار الدنيا واستحقاق الأجر والثواب في دار الآخرة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (29)